مفتاح القلوب..!

حمد بن صالح العلوي

 

قارئي العزيز...،

كلُّ ذي فكر واع يُدرك تماما أن الأخلاق النبيلة من شيم النبلاء، وأنَّ الكلمة الطيبة مفتاح القلوب، ونحن نقرأ قول الله تعالى: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وفرعها في السماء"، وقوله تعالى: "وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً". وقرأت يوما أن لقمان قال لابنه: "يا بني، إنَّ من الكلام ما هو أشد من الحجر، وأنفذ من الإبر، وأمرّ من الصبر، وأحرّ من الجمر، وإن من القلوب مزارع فازرع فيها الكلمة الطيبة؛ فإنها إن لم تنبت كلها نبت بعضها".

والكلمة الطيبة حتى مع الكافر، أتعلم أنه حين أمر الله سبحانه سيدنا موسى عليه السلام وأخاه بأن يحسنا الكلام مع الظالم فرعون، قال تعالى: "اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى".

 

قارئي العزيز...،

سأسردُ لك أيها القارئ المُحب العَادل ما حَدث لأمٍّ تُحب الخير والحياة ليس لها فقط بل لمن حولها، وحكايتنا هذه ليست من محض خيال، بل حقيقة وواقعة حدثتْ في بلد هادئ يتملَّك قلب من سكن فيه وعاش على أرضه وأكل من خيراته ويتصف بخلق التسامح والحب وغيرها من الصفات؛ لأنه في بلد حباه الله تعالى وحبا أهله الخير والصفاء.

ذات يوم، قالت مُحدثتي ودمع عينيها واضح بيِّن: وصل ابني حفظه الله إلى مستشفى حكومي بين الحياة والموت، وهو ذو العامين من عمره، بصحبة خالته، متجهين إلى قسم الطوارئ، وكان مصابا بالقيء الشديد والجفاف منذ أيام، وانتظرنا دورنا قرابة الساعة، رغم وضع ابني السيئ الذي تقريبا مغمَى عليه من الخمول والإعياء، فاضطرت خالته -وهي ممرضة قانونية في المستشفى ذاته اسما ومعنى- أن تدخل به لداخل القسم، وتضعه على السرير، واستدعت زميلتها الممرضة لتستعجل الطبيب لمعاينة الطفل، علمًا بأننا فتحنا الزيارة، وفجأه دخل علينا المشرف المسؤول بالطوارئ قرابة الساعة 11 ونصف مساء، وهو يتحدث بصوت مرتفع دون مراعاة لا للمرضى ولا للموظفين ولا للموجودين ولا للطفل المريض، مطالبآ أخذ الطفل من السرير والانتظار خارجًا.

وتابعت محدثتي: طلبت وبكل هدوء أن يراعي الطفل، نظرا لحالته الحرجة، إلا أن المشرف المسؤول أصر قائلآ للممرضة (cancel..not seen)، بمعنى إلغاء زيارة الطفل المريض وعدم السماح بفحصه!

هنا.. وبرغم خوفي على ابني الملقى على السرير، وأنا أجهش بالبكاء، ولم أصدق ما سمعت أذناي، مُتسائلة: ماذا يقصد؟ ولم تسمع إجابة وإنما التفتت إلى المشرف قائلة: ليس من حقك أن تلغي وتمنع.

قال المسؤول لها وبكل عصبية وبصوت عال: من حقي أفعل ما أريد، فأنا المسؤول هنا ولستِ أنتِ، و"على كيفي..ألغي أو أسجل".

هل فعلا أصبح المشرف ضمن مهامه المسجلة بوزارة الصحة أن يلغي معالجة طفل مريض ورفض فحصه؟ ولنفرض مثلا أن المستشفى أصبح مستشفاه الخاص وباسمه، ولكن يظل أي مستشفى خاص أو حكومي تحت إشراف وزارة الصحة على حد علمي؟ أليس كذلك؟

كيف أننا في مستشفى حكومي ومن حق كل مواطن بل وكل مقيم أن يتعالج، ليأتي هذا المشرف المسؤول بأهم قسم بالمستشفى (الطوارئ) الذي يُعنى بالحالات الطارئة والحرجة، ويُعنى بإنقاذ أرواح بأسرع وقت ممكن؟! كيف وهذا المريض عمره سنتان فقط ويتم إلغاء الزيارة ومنع فحصه؟! أي ملاك رحمة هذا؟ وأي إنسانية؟ وأي احترام للمريض ولأمه؟ و...و...و...؟

واسترسلتْ مُحدثتي وهي تمسح دموع عينيها المتعبتين: هو أصلًا لا يعلم حالة ابني إن كانت تستدعي أن ينتظر أو لا؛ حيث سألنا الممرضة كم قبلنا، فقالت 3، وكانوا ينتظرون بالقرب منا، ولم نلاحظ أنهم أسوأ من طفلي الذي كان فاقدًا للوعي تقريبًا.

وقالت الممرضة سأحاول أن أقدمه، ولكن معنا حالة حادث دراجة، وبالفعل انتظرنا إلى أنْ انتهت الحالة الطارئة للحادث وابني يعاني، وبعده ااضطرت خالته أن تدخله فورًا عندما شعرت بحرج حالته.

فلن أسكت عن حق طفلي وسأحمِّل المشرف المسؤول مسؤولية تبعات حالته الصحية، والتي فعلًا كانت حرجة، ولكم أن تتابعوا حالته من ملفه كيف كانت، وكيف تمَّ تنويمه باليوم التالي من شدة الجفاف.

فاليوم تصرف معي، وبالتأكيد سيتصرف مع غيري بهذا التصرف غير الإنساني.. مادام طرد طفلا مريضا وأمر بعدم فحصه، من البديهي أن يقوم هو شخصيًّا بإدخاله.

 واختتمت الكلام -وفي عينيها أكثر من كلام إلا أن الوقت لا يحتمل- "أناشد وزارة الصحة أولًا، وسأوصل موضوعي لحقوق الطفل التابع للسلطنة، إن لم يقم المعنيين باتخاذ اللازم مع المسؤول".

قارئي العزيز...،

نُكمل الحديث لاحقا، تقبَّل الله تعالى منا ومنكم صالحات الأعمل، وحفظنا وحفظكم من كل سوء، وجعل ألسنتنا لا تنطق إلا بالخير وبالكلمة الطيبة، فإنها حلوة المذاق كالطعام الطيب.. حفظكم الله تعالى وحفظ سلطان البلاد قابوس بن سعيد المفدى وشعبه الوفي؛ فالكلمة الطيبة مفتاح من مفاتيح القلوب.