د. سيف المعمري
العَلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص يَجِب أن تخلُو من أيَّة شوائب لا تُسَاعد على نشرِ التنمية واستدامتها، لكن رُبما في بعض الأوقات تَظهر مُتغيِّرات في هذه العلاقة، هذه المتغيرت يَراها البعض تحديات، لكنَّ البعض الآخر يعتبرها في إطار الإجراءات الضاغطة على القطاع الخاص من جانب الحكومة، وهي السلطة التي تجسِّد القوة والحكمة والرشد، فمن هذا الذي يرفض تنفيذ قراراتها؟
سُؤال يبعثُ على الحيرة، خاصة في هذه المرحلة التي ينبغي أن نعمل فيها بكل ما أوتينا من أدوات للكشف عن معوقات التنمية والانطلاقة الاقتصادية التي لا تزال تراوح مكانها، وتلقي بأعباء وضغوطات على المواطنين الذين لا يتحمَّلون فقط تبعات مالية نتيجة لتأخر تطبيق الخطط الاقتصادية، لكنهم يخسرون ما هو أبعد من ذلك، وهو الفرص والامتيازات التي يحظى بها فئة قليلة تملك القدرة على ابتزاز هذه الفرص نتيجة القوة التي تتمتع بها على الساحة الاقتصادية، وهذا هو مدخلنا لمناقشة هذا الموضوع الشائك الذي لم يطرح من قبل بهذا المسمى، وظل يُخبَّأ خلف مسميات ومصطلحات برَّاقة لإضفاء شرعية ومصداقية على ما يجري.
إنَّني وأنا أطرح موضوع الضغوط الحكومية على القطاع الخاص، أقصد قضية التعمين في المقام الأول، هذا المشروع الذي كان أداة للضغط طوال هذه السنوات دون نتائج ملموسة، رغم أن الحكومة قدَّمت كثيرا من الدعم والامتيازات للشركات الكبرى طوال العقود الماضية من أجل فتح الباب للكفاءات العمانية، وكان هذا القطاع دائما يظهر نفسه على أنه يدعم الحكومة رغم تقصيرها معه، وأن يقوم بواحباته رغم الظروف التي يمر بها، وأصبحت المعادلة مقلوبة وغير منطقية، ولكن هناك أطراف كانت تُصر على أنها حقيقة، وينبغي أن نقبلها ونسلم بها.
وفي الواقع، هناك كثير من الحوانب التي ينبغي تحليلها محاولة لفهم هذه العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص، وهي وإنْ كان بعض أجزائها يظهر تحت مسمى الشراكة، إلا أنَّ أجزاءً أخرى يمكن النظر إليها على أنها ابتزاز حكومي، وهو مصطلح لا ينبغي النظر إليه على أنه مسيئ؛ فقد استُخدم بشكل رسمي من قبل بعض المسؤولين ضد المواطنين المطالبين بترقياتهم عند بداية الإجراءات المالية، وصوروا على أنهم يبتزون وطنهم في هذه الظروف. هنا، أربط الأمور ببعضها في محاولة للوصول إلى فهم مشترك مع ما يجري من القطاع الخاص تِجاه توظيف القوى العاملة الوطنية، ليس تكرُّما ولكن نتيجة ما يحصل عليه من الحكومة، فهذا القطاع لم يوظف اليوم إلا في وظائف ذات دخول متدنية؛ حيث تصل نسبة العمانيين العاملين في القطاع ممن لا تتعدى رواتبهم 400 ريال عُماني إلى 70%، هذا ونحن نتكلم عن ثلاثة عقود من انطلاق سياسة التعمين، وفي كل مرة تُرفع الأصوات بالتعمين في الوظائف العليا كانت المبررات لعدم القيام بذلك جاهزة، حصل ذلك في سنوات الرخاء، وأيضا في هذه السنوات؛ مما يدل على أنَّ العملية لا تقوم على الشراكة بقدر ما تقوم على الأخذ والعطاء.
وبعبارة أخرى، ما هي استفادتي لكي أوظِّف مجموعة عمانيين في وظائف متدنية؛ أي يتحول الباحث عن وظيفة إلى سلعة، إن لم يأتِ بأرباح من الحكومة فلن يتم توظيفه.
إنَّ القطاع الخاص لا ينبغي أن يصوِّر نفسه كضحية في هذا البلد، وإلا ماذا يقول المواطن البسيط الذي يبحث عن عمل؛ فهذا الدور الذي يُصر هذا القطاع على أن يلعبه في كل مراحل التنمية غير مقبول، وينبغي تسليط الضوء على الحقائق والتفاصيل المرتبطة بهذا الموضوع، وصولا لوضع النقاط على الحروف من أجل بناء أرضية جديدة للشركة، بدلا من الابتزاز الذي لا يبني اقتصادا مستداما.