الشباب العماني "قادر"

 

خلفان الطوقي

 

حضرت معرضًا يقام في هذه الأيام في مبنى وزارة القوى العاملة لإحدى البرامج (برنامج الإجادة بالعمل) الذي يخطط له بأن ينفذ في أرض الواقع في المستقبل القريب، لن أتحدث عن البرنامج في هذا المقال، لأنّ ما يهمني هنا الشباب العماني المشارك في هذا البرنامج من ذكور أو إناث، وسوف أذكرهم كمثال للرسائل التي أحاول أن أبعثها من خلال المقالة للمسؤول في القطاع الحكومي أو الخاص او حتى في المجتمع المدني والجمعيات الخيرية.

يوجد المعرض في القاعة المقابلة لمبنى الوزارة وبه ٤٠ شابا وشابة من موظفي الوزارة، يستقبلون ضيوفهم بالشرح وكتابة الملاحظات والرد على الأسئلة بكل رحابة صدر وحماس وشغف وتحمل كل الانتقادات والسلبية وتوثيق هذه الملاحظات بحرفية، فهم جاهزون ومدربون لكل السيناريوهات التي قد تصدر من زوار المعرض، لن تجد في ٤٠ شابا وشابة بدون مهمة محددة، ستجد كل منهم مشغولا بمهمة معينة أحيانا يشرح وأحيانا يصور أو يوثق وأحيانا يكتب الملاحظات وأحيانا يستعد لاستقبال ضيفا جديد وأحيانا يناقش مسؤوله أو زميله ليزيد من استيعاب تفاصيل البرنامج، وهذا السيناريو والعمل المستمر من التدريب الميداني إلى إقامة المعرض منذ أكثر من ستة أشهر دون ملل أو كلل، وسوف يستمر لمدة ٢٤ شهرًا آخر في مرحلته الثانية والثالثة لتحقيق أهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة بتوجيه وإشراف من أربعة من الشباب العماني فقط.

كما أوضحت أنّ التركيز في هذه السطور سيكون عنصر "الشباب العماني"، فالصورة الذهنية النمطية المنتشرة لدى الكثير من الناس أنّ الموظف الحكومي غير مبادر ولا يعمل بجد واجتهاد ونمطي في تفكيره ولا يقبل بتحمل مسؤوليات إضافية، ويتهرب من إنهاء المعاملة بشكل فوري وأسهل ما يقوله شبيها بهذه الجمل: المعاملة ناقصة، تعال بكرة، الجهاز عطلان، المسؤول في إجازة أو ما شابهها من جمل وأعذار للتملص من مسؤولياته الوظيفية، لكن المثال أعلاه يصور صورة مختلفة عن الموظف الحكومي القادر والمميز والمنتج، ففي هذا المقام يمكن طرح أكثر من سؤال: ما الذي جعل هؤلاء (٤٠) شابا وشابه منتجين؟ وهل يمكن أن نطبق هذا المثال ونستفيد الاستفادة المثالية من الشباب العماني في الجهات الأخرى؟ ومن المسؤول في حال أخفقنا في رفع مستوى الانتاجية بين الموظفين العمانيين؟

كما نجح وتميز برنامج "الاجادة بالعمل" واستطاع أن يدمج ويدرب ويؤهل ويأتي بأفضل ما لدى الـ ٤٠ شابا وشابة من أفكار وجهود، يمكن لباقي الوزارات والجهات الحكومية المختلفة أن تستفيد من إمكانيات وقدرات باقي الموظفين باتباع خطط علمية وتدريبا ميدانيا وإشرافا مستمرا وتقييما دوريا.

فالمسؤول الأعلى سيبقى هو المسؤول الأول والأخير بالرغم من التحديات والأعذار في نجاح أو إخفاق الاستفادة النموذجية من الموظف، سيظل هو المسؤول في قدرته لتسويق وتطبيق مفاهيم جديدة في بيئة العمل، هو من يستطيع أن يسوق لمفاهيم جديدة واستبدال المفاهيم البالية العتيقة، وتغييرها لأن تكون إيجابية، فمثلا تغيير ثقافة الـ "تهميش" إلى "دمج" و "شللية" إلى "كفاءة" و "عبىء" إلى "فرصة" و "إهمال" إلى "متابعة" و "وشاية" إلى "حوار" و "ابتعاد" إلى "الاقتراب" وغيرها من القيم الإنسانية السامية التي تنمو بها الدول،

على المسؤول الأعلى إن أراد نتائج إيجابية أن يكون هو "القدوة الحقيقية" لكل ما يحاول تطبيقه من أفكار وقيم، فكثير من الموظفين أصبح يستغل الثغرات التي يقوم بها المسؤول الأعلى، لدرجة أنّ هناك قضايا في المحكمة وحكم لصالح الموظف الأصغر ضد مسؤوله أو جهته الحكومية بسبب الثغرات الذي يقوم بها المسؤول الأعلى سواء كان وزير أو وكيلا أو مديرًا عام أو مديرًا أو رئيس قسم، فالرسالة لا تخص رئيس الوحدة فقط بل يقصد بها أي مسؤول حكومي ومشرف على عدد من الأفراد.

خلاصة القول، إنّ "العماني قادر" إذا ما تمّ التعامل معه كإنسان ذي فكر وطاقة وإضافة استثمارية في هذه الجهة الحكومية أو تلك، وأعرف أنّ هناك من المسؤولين من يقول "حاولنا" ولكننا "أخفقنا"، ولكنني أقول "جدد" المحاولة مرارا وتكرارا وسوف تنجح، ولتعلم أنّ إخفاقك لا يعفيك من المحاولة مرة أخرى، وإنما إخفاقك يعني أنّ هناك "إخفاقا" في إدارتك لموظفيك، مذكرا إياك بأنّ آلاف التجارب العالمية والإقليمية والمحلية نجحت بإداراتها السويّة المبنية على القيم الإنسانية الساميّة.