صوت رمضان الذي لا يسمعه أحد

 

مسعود الحمداني

 

شهر رمضان معلّم لا يعلو عليه أحد، فهو يعلّمنا الصبر، والنظام، والإحساس بالآخر، وصلة الرحم، والرحمة، وغير ذلك الكثير من الأخلاقيات التي يشتمل عليها هذا الركن العظيم، ولكن.. هل استفاد الصائمون من هذه الدروس المجانية؟ لنتأمل صورا ومشاهد يومية مختلفة تحدث خلال هذا الشهر لنقف على الوضع الصحيح لثلّة من الصائمين..

المشهد الأول:

قبل رمضان يهرع الناس إلى المُجمّعات التجارية يشترون ما لا طاقة لهم به، وكأن حربا وشيكة ستقع، يصرفون مئات الريالات على مشتريات شهرٍ يفترض أن يقتصدوا فيه، يملأون السلال بمختلف المأكولات التي لا يذوقونها إلا في شهر رمضان.. يأكلون نصفها، ويرمون بالنصف الآخر ـ أو يزيد ـ في القمامة، قد يبات جارهم جائعا، لا يلقى قوت يومه، ومع ذلك لا يعرفون عنه شيئا، لأنهم لا يصلونه أصلا، فأي تبذير وأي شعور بالمحتاج هذا؟!!

المشهد الثاني:

أسرٌ، وإخوة وأخوات يعيشون قطيعة طيلة سنوات، ويأتي شهر رمضان، لكي تكون فرصة ذهبية للتسامح والتواصل، فإذا بالوضع على ما هو عليه، يتزاورون مع كل بعيد، ويلبّون كل مأدبة، ولكنّهم لا يحاولون إصلاح ذات بينهم، فكلٌ منهم في برجه العاجي، لا يرى ما خلفه، لا يزورون أرحامهم، ولا يصلون إخوانهم.. فهل تعلّم هؤلاء معنى صلة الرحم والتواصل في هذا الشهر الفضيل؟

المشهد الثالث:

 الموظفون العموميون الذين أوكلت إليهم الحكومة إنجاز معاملات المواطنين تجد كثيرا منهم متجهمي الوجوه، لا يكادون يبتسمون في وجوه المراجعين، يؤخرون معاملات الناس، ويتعذرون بالصوم، كأنّهم في معركة حياة أو موت.. أو لم يتعلم هؤلاء أنّ ابتسامتك في وجه أخيك صدقة، وأنّ العمل عبادة.. فأي تغيير سلوكيّ أحدثه رمضان فيهم؟!!

المشهد الرابع:

الصورة الفوضوية التي نشاهدها يوميا في الشوارع بعد الدوام الرسميّ، وقبيل أذان المغرب حيث ينطلق البعض بسياراتهم بأقصى سرعة محاولين الوصول إلى منازلهم ليفطروا مع أسرهم، غير مكترثين لما قد يسببونه من حوادث، أو مضايقات للآخرين.. وقد يكون بعض هؤلاء المتهورين غير صائمين أصلا.. فأي نظام وأي احترام للآخر علّمهم هذا الشهر؟!

المشهد الخامس:

في المساجد تجد أطفالا دون الخامسة، وأحيانا فوق العاشرة، يزاحمون صفوف المصلّين، يثيرون الفوضى، ويُشغلون الناس عن الصلاة، ويحوّلون المصلّيات إلى ساحات لعب، ولا يعرفون حتى كيفية الصلاة، أتى بهم آباؤهم لكي يعوّدوهم على الصلوات، ولكنّهم نسوا أن يعلّموهم آداب المساجد.. فأي أدب واحترام يتعلّمه هؤلاء الأطفال من آبائهم؟

وأخيرًا..

هناك الكثير من المشاهد التي لم أذكرها تحدث في شهر رمضان، ولكنها تتفق على شيء واحد وهو أنّ الكثيرين أفرغوا الصوم من معانيه، وحوّلوه إلى عادة سنوية لمزيد من الطعام والشراب، ولم يستفيدوا من الدروس المجانية (صحيّا وسلوكيا ومجتمعيا) والتي يقدمها هذا الشهر.. لأنّهم تلاميذ خائبون لا يريدون تغيير ما بأنفسهم.. فيمر الشهر كضيف يدخل من الباب ويخرج من النافذة.