د. خالد بن علي الخوالدي
في عالم يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، تبرُز الحاجة الماسة إلى أصوات إعلامية وسياسية شجاعة ترفض الانسياق وراء الخطاب النمطي، وتجهر بالحقائق التي يخشى الكثيرون التطرق إليها، والأستاذ علي بن مسعود المعشني المحلل السياسي المعروف يمثل نموذجًا فريدًا لهذه الأصوات الجريئة التي ترفض أن تكون مجرد بوق للترويج وتُصِر على أن تكون منبرًا للحقيقة والمساءلة.
في الآونة الأخيرة، أثار المعشني جدلًا واسعًا بتصريحاته وأفكاره وآرائه التي لم ترُق للبعض؛ فتعرض لهجوم شرس من قبل من يرفضون أي صوت يخرج عن السرب. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يُعقل أن نستمر في إسكات الأصوات الناقدة والمحللة للأحداث تحت ذرائع مختلفة، بينما نعيش في عصر يفترض أن تكون فيه حرية التعبير من أهم المكاسب التي نناضل من أجلها.
لطالما كان الإعلام سلاحًا ذي حدين؛ فإما أن يكون أداة لتزييف الوعي وإما أن يكون منبرًا للحقيقة، وللأسف غلب على الإعلام في الكثير من الأحيان الطابع الترويجي الذي يقدم صورة وردية عن الواقع، بينما يغض الطرف عن المشكلات الحقيقية التي يعاني منها الناس خاصة في الأمور السياسية، وهنا يأتي صوت علي المعشني ليكسر هذه القاعدة، ويقدم نموذجًا مُختلفًا لتحليل يرفض الانبطاح ويصر على طرح الأسئلة المحرجة التي تهم الجمهور.
لا يمكن إنكار أن بعض تصريحات المعشني كانت جريئة إلى حد كبير؛ بل وقد تكون قد تجاوزت في بعض الأحيان حدود النقد المقبول، ولكن هل هذا مبرر كافٍ للسعي نحو إسكاته باغتياله معنويًا؟ أليس من الأفضل أن نناقش أفكاره بحيادية وعقلانية بدلًا من الانزلاق إلى مهاجمته وتوجيه الإهانات اللفظية له؟
من السهل جدًا أن نتحدث عن حرية التعبير كشعارٍ رنان، ولكن من الصعب أن نتحمل تبعات هذه الحرية عندما تأتي على هوى أصحاب المناصب أو الرأي العام، والأستاذ المعشني مثل أي إعلامي وسياسي آخر له الحق في التعبير عن رأيه بحرية، شريطة أن يلتزم بأخلاقيات المهنة وألا يتعدى على حقوق الآخرين.
في المقابل، على من يختلفون معه أن يحترموا هذا الحق، وأن يردوا على أفكاره بالحُجة والمنطق، لا بالشتيمة والتجريح، ولا شك أن الخوف من الرأي المختلف دليل على ضعف في الحجة، وليس قوة في الموقف، وإذا كنا نريد مجتمعًا مُتقدمًا، فلا بُد أن نتعلم كيفية إدارة الحوارات الصعبة بطريقة حضارية.
كل المجتمعات التي تقدمت ونجحت، مرَّت بمراحل عصيبة من النقاشات الحادة والجدل الشديد حول قضايا كانت تُعد في السابق من المُحرَّمات، فعندما يطرح المعشني قضية ما، فهو لا يفعل ذلك من فراغ؛ بل بناءً على معطيات يعتقد أنها صحيحة. حتى وإن أخطأ في بعضها، فذلك لا يلغي حقه في طرح الأسئلة. وبدلًا من إسكاته، لماذا لا نُوَفِّر له ولغيره من الإعلاميين والسياسيين الشجعان منصة آمنة للنقاش البناء؛ حيث يمكن تصحيح الأخطاء وتبادل الآراء بحرية.
علي المعشني ليس مجرد محلل سياسي عادي؛ حيث استطاع أن يثبت مكانته بين كبار المحللين، وأثبت الجمهور أنه يتوق إلى أصواتٍ حقيقيةٍ ترفع عنه عبء الصمت وتكسر حاجز الخوف، قد نختلف أو نتفق مع أفكاره، ولكن لا يمكن إنكار شجاعته في خوض غمار المواضيع الشائكة.
إذا أردنا إعلامًا حُرًا ونزيهًا فلا بُد أن نتحمَّل وجود أصواتٍ مثل صوت المعشني؛ لأنها الأقدر على دفع عجلة التغيير نحو الأمام، كما قال الفيلسوف الفرنسي فولتير ذات يوم: "قد أختلف معك في الرأي، لكنني مستعدٌ أن أدفع حياتي ثمنًا لحقك في التعبير عنه".
وفي زمن تتلاعب فيه القوى الكبرى بمصائر الشعوب، ويتحكم الذباب الإلكتروني في منصات التواصل الاجتماعي، يصبح التحليل الجريء -وإن كان مُزعجًا- ضرورة لا ترف.
ودُمتم ودامت عُمان بخيرٍ.