علي بن مسعود المعشني
السيادة القانونية هي السُّلطة القانونية المُطلقة التي تملك -دون مُنازع- الحق القانوني في مطالبة الآخرين بالالتزام والخضوع على النحو الذي يُحدِّده القانون، والسيادة السياسية هي القوة السياسية غير المُقيدة أي القادرة على فرض الطاعة، وهو ما يستند غالبًا إلى احتكار قوة الإرغام.
ويُستخدم مُصطلح السيادة بصورتين مختلفتين -وإنْ ظلتا مترابطتين- للإشارة إلى السيادة الداخلية والسيادة الخارجية؛ ففي حين ترتبط الثانية بوضع الدولة في النظام الدولي ومدى قدرتها على التصرف ككيان مستقل -مفهوم السيادة الوطنية أو الدولة ذات السيادة- فإنَّ السيادة الداخلية تُشير إلى القوة أو السلطة العُليا داخل الدولة -مُمثلة في الهيئة صانعة القرارات المُلزمة لكافة المواطنين والجماعات والمؤسسات داخل حدود الدولة (من ويكبيديا الموسوعة الحرة). وبداخل الدولة نفسها تكون هناك مفاهيم مجزأة للسيادة بما يخدم السيادة العليا للدولة كالسيادة الدستورية والسيادة البرلمانية، والتي يُراد ويُفهم منهما تكريس دولة القانون وحماية واحترام حق المشاركة.
كما تُسمى الوزارات المهمة في الدولة بالوزارات السيادية، وهي الوزارات المُناط بها -بشكل كبير- دور حماية وتمثيل السيادة الوطنية وسيادة الدولة، بشقيها الداخلي والخارجي كوزارات العدل والدفاع والداخلية والخارجية. والهُوية جزء من السيادة، واللغة هي الهوية، والتي تُميز الشعوب والمُجتمعات وتُكرس التعاطف والتضامن بين البشر. يقول العلامة ابن خلدون: إن عاملا اللغة والدين هما أقوى عناصر المنظومة الثقافية في تشكيل صلابة العصبية/التضامن بين بني البشر.
وهذا ما حَدا بجميع الدساتير والقوانين والأعراف إلى إضفاء القداسة على اللغة، كثابت وجامع لأطياف المجتمعات والشعوب والأمم، وإلى ترجمة تلك النصوص والتشريعات ومضامين الأعراف إلى أدوات عمل ونُظم حماية لبسط اللغة وتطويرها وحمايتها من الانتهاك أو العبث أو الغزو الثقافي الذاتي أو الآتي.
عالمية اللغة العربية
وتعدُّ اللُّغَة العَرَبِيّة من أكثر اللغات تحدثاً ونطقاً ضمن مجموعة اللغات السامية، وإحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم؛ إذ يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة يتوزعون في الوطن العربي، إضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال وإرتيريا وإثيوبيا وجنوب السودان وإيران. كما تستعمل لغة ثانية لما يناهز 540 مليون نسمة.
واللغة العربية ذات أهمية قصوى لدى المسلمين؛ فهي لغة مقدسة (لغة القرآن)، ولا تتم الصلاة في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها. كما أنَّها لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، كما كتبت بها كثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى. وأثّر انتشار الإسلام، وتأسيسه لعدد من الدول، في ارتفاع مكانة اللغة العربية، وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون. كما أثرت العربية تأثيراً مباشراً أو غير مباشر على كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، كالتركية والفارسية والأمازيغية والكردية والأردوية والماليزية والإندونيسية والألبانية، وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحيلية والتجرية والأمهرية والصومالية، وبعض اللغات الأوروبية -خاصةً المتوسطية كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية. كما أنها تُدرَّس بشكل رسمي أو غير رسمي في الدول الإسلامية والدول الإفريقية المحاذية للوطن العربي.
إنَّ العربية لغة رسمية في كل دول الوطن العربي، إضافة لكونها لغة رسمية في تشاد وإريتريا وإسرائيل. وهي إحدى اللغات الرسمية الست في منظمة الأمم المتحدة، ويُحتفل باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر كذكرى اعتماد العربية بين لغات العمل في الأمم المتحدة.
واللغة العربية من أغزر اللغات من حيث المادة اللغوية؛ فعلى سبيل المثال يحوي معجم لسان العرب لابن منظور من القرن الثالث عشر أكثر من 80 ألف مادة، بينما يحتوي قاموس صموئيل جونسون للغة الإنجليزية -وهو من أوائل من وضعوا قاموساً إنجليزيًّا من القرن الثامن عشر على 42 ألف كلمة.
وتحتوي الأبجدية العربية على 28 حرفاً مكتوبًا. ويرى بعض اللغويين أنه يجب إضافة حرف الهمزة إلى حروف العربية، ليصبح عدد الحروف 29. وتُكتب من اليمين إلى اليسار، ومثلها في ذلك أبجدية اللغة الفارسية والعبرية خلافا لكثير من لغات العالم.
لقد كان للفتوحات الإسلامية بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أثر كبير في نشر اللغة العربية في أصقاع مختلفة خارج شبه الجزيرة العربية، فبعد أن اعتنق كثير من السريان والأقباط والروم والأمازيغ والآشوريين الدين الإسلامي، أصبحوا عربًا باللغة؛ وذلك لسببين رئيسيين:
- أولهما: أن اللغة الجديدة كانت لغة الدين، ولغة مصدر التشريع الأساسي في الإسلام (القرآن، والأحاديث النبوية)، ولا تتمُّ الصلاة وبعض العبادات الأخرى إلا بإتقان بعض كلمات من هذه اللغة؛ وثانيهما: تعريب دواوين الأمصار حديثة الفتح، في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان؛ وبذلك أصبحتْ العربية لغة السياسة والإدارة بعد أن نُقلت إليها المصطلحات الفنيّة في الإدارة والحساب.
وعلى الرغم من أن كثيرا من الأمم أبقت على هويتها ولم تتقبل الهوية العربية، مثل قسم كبير من الأمازيغ والترك والكرد والفرس وبعض الآشوريين والسريان، فإنها تلقنت اللغة العربية وتكلمتها بطلاقة إلى جانب لغتها الأم؛ وذلك لأنَّ بعضها اعتنق الإسلام مثل الأكراد والفرس والأتراك، وحتى الذين بقوا على الدين المسيحي أو اليهودي أو المندائي الصابئي، تكلموا العربية كلغة رئيسية إلى جانب لغتهم الأم، بعد أن أصبحت لغة العلم والأدب خلال العصر الذهبي للدولة الإسلامية، تحت ظل الخلافة العباسيّة، بل إنَّ تلك الشعوب اقتبست الأبجدية العربية في كتابة لغتها. ومع مرور الوقت، أصبحتْ اللغة العربية لغة الشعائر لعدد كبير من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، مثل كنائس الروم الأرثوذكس، والروم الكاثوليك، والسريان، كما كتبت بها كثير من الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى.
وأسهم عدد من الأعاجم في تطوير اللغة العربية ومصطلحاتها خلال العصرين الأموي والعباسي بفضل ما نقلوه إلى العربية من علوم مترجمة عن لغتهم الأم، فبرزت في العربية كلمات ومصطلحات جديدة لم تكن معهودة من قبل، مثل "بيمارستان"، المأخوذة من الفارسية، وخلال العصر الذهبي بلغت اللغة العربية أقصى درجات الازدهار؛ حيث عبَّر الأدباء والشعراء والعلماء العرب والعجم عن أفكارهم بهذه اللغة، فكُتبت آلاف المجلدات والمؤلفات والمخطوطات حول مختلف المواضيع بلسان العرب. وكان من أهمية اللغة العربية في المجال العلمي والثقافي، أن اقتبست بعض اللغات الأوروبيّة كلمات منها أثناء العهد الصليبي في المشرق، أو عن طريق التثاقف والاختلاط مع عرب الأندلس، ومن أبرز اللغات التي تأثرت بالعربية: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية.
وللحديث بقية...،