حمد بن سالم العلوي
لقد وَعَدت الحكومة بأنَّ الإجراءات المالية لن تَمس المواطن، وقد صَدقت في ذلك ووفَّت بما تعهَّدت به، لكنها جعلتْ هذا المواطن يمد يده في جيبه بنفسه مُضطراً؛ لدفع الرسوم والضرائب التي زادتْ بشدة بعد تراجع أسعار النفط، في ظل تباطؤ عملية تنويع موارد الدخل، وقرَارات لم تحقِّق النجاح المأمول، ومن ضمن هذه القرارات تقييد الاستثمار. وعلى سبيل المثال، التعقيدات التي يرزَح تحتها الاستثمار الأجنبي، فتعهَّدت الحكومة مثلا بتسريع العمل في ميناء الدقم وغيره من الموانئ والمطارات، لكنها جعلتْ ما يفرط من يدها من تعقيدات، يتلقفه تجار الجشع بالتأخير وغلاء الأسعار، وهم منفِّرون بالغلاء للمواطن برفع الأسعار، ودفعه قصداً أو بغير قصد لشراء مستلزماته من دول الجوار، والقهر أنَّ تلك المستلزمات تُستورد من السلطنة، وتباع هناك بنصف قيمتها العرضية، والحكومة لا تسائل هؤلاء التجار لماذا يفعلون ذلك، رغم تكرار الشكاوى من أكثر من مواطن.
لقد تنوَّعت الرسوم المفروضة على المواطن، رغم عدم تقديم خدمات جديدة تستحق هذه الزيادة في الرسوم؛ ففي دول العالم يدفع المواطن الرسوم والضرائب مقابل خدمات قيِّمة، لكن عندنا حتى الترقيات والعلاوات لموظفي الحكومة أوقفت، أضف إلى ذلك أن جانبًا من وقت المواطن مهدور في الطوابير الطويلة، أكان ذلك على الطرقات أو في جهات الخدمة العامة، وربما يأتيني أحدهم فيقول لي: أنت تنظر إلى نصف الكوب الفارغ، وردِّي عليه من الآن أن الحكومة مسؤولة عن ملء الكوب بأكمله. إنَّنا لا ننقل سوى مشاعر المواطنين الذين أُرهِقوا بالرسوم والضرائب، فيما يستغل الآخرون المتربصون بنا الدوائر، وهم على مقربة جدًّا منا، ويحيكون الدسائس لعُمان، وبدون أي سبب هم مشتغلون بشأننا المحلي.
سؤالي للمسؤولين: أين أنتم من التوجيهات الحكيمة لصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله وأبقاه- يوم قال جلالته: "إن النفط سلعة ناضبة؟!"، وذلك حسب تقديرات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وأتذكر في منتصف الثمانينيات يوم وقعنا في أزمة انخفاض سعر البترول أيضا، وبأسوأ من الوضع الحالي، لم يدر بخلد أحد من المسؤولين أن يحصل ذلك مرة أخرى، وفي ذلك الوقت أخذوا وحدهم من جيب المواطن؛ حيث خفضوا سعر الريال العُماني وقتذاك، أما اليوم يفعلون الشيء نفسه، ولكن بطريقة مختلفة عن السابق.
الأسبوع الماضي ذهب اثنان من الأيتام إلى الكاتب بالعدل؛ كونهما بلغا سن الرشد، وأرادا استخراج توكيل شرعي أُسوة بكل من سبقوهما من عائلتهما لنفس الوكيل الشرعي، فطلب منهما دفع مبلغ 400 ريال، عن كل واحد 200 ريال، وهم لا يزالان في مرحلة الدراسة. والتساؤل هنا: لماذا لا يفرق بين رسوم الأيتام والرسوم التجارية، ونحن نعلم المشاكل التي تصير بين الورثة، خاصة عندما يخلف الشخص المتوفى أكثر من زوجة، فيكون الوكيل من غير الأخوة كحكم بين الجميع، فلا يظن فيه الأخوة أنه أجحف في حقهم دون بقية الأشقاء. وطبعاً لا تتوقف المشاكل فقط مع الأيتام والورثة، وإنما هناك حالات كثيرة يجب مراعاتها، وضرورة مراجعة هذه الرسوم بشكل جذري، وطبعاً الرسوم التي فرضتها وزارة المالية، وقد بثَّتها للتنفيذ على كل الجهات الرسمية في الدولة.
إنَّ إرخاء الزمام للتجارة والصناعة، خاصة المتوسطة والصغيرة سيكون أكثر جدوى، بدلا من التوسع في فرض الرسوم والضرائب؛ وبالتالي سيتولى الناس أمر أنفسهم، وسيجدون الوسيلة المناسبة لضم إخوانهم من بقية المواطنين إلى مشاريعهم، وسيكون المردود على الحكومة أكبر من ريع التجارة والصناعة، وذلك عندما لا تقصم ظهور المواطنين بالضرائب والرسوم المرتفعة، ويحول الإنسان من عامل على نفسه إلى عامل لدفع الضرائب، وحينها سيُفضل ترك التجارة غير المربحة، وسيكون عاطلاً عن العمل وعبئا على الدولة، وسيدخل في دوامة الباحثين عن عمل وهم اليوم كثر.
الصين في مطلع الثمانين من القرن الماضي، أتت من أوروبا بخبير من أصول عربية، خطَّط لها نهضة صناعية واقتصادية كبرى، ونحن كذلك أتينا بعبقري النهضة الماليزية، لكنه لم يستطع إلا أن يطرح أفكاراً وخططاً، ولكن ليس عليه التنفيذ، ونتيجة إلى عدم وجود قابلية للتطور لمن بيدهم القرار، فلم يحصل أي تغيير، وظل الوضع كما هو عليه.
نقول للمسؤولين الذين بيدهم الأمور، وذلك وفقاً للأنظمة والقوانين والمراسيم السلطانية، إنكم إنْ أردتم تطوُّر هذا الوطن لن تعجزكم الحيلة، ومشجب ضعف الموازنة، ليس بالقوة القاهرة التي تمنعكم من تطوير البلاد، فقط ضَعُوا الأهداف، وسيروا عليها، وستجدون أنفسكم قطعتم خطوات جادة نحو الرقي والتقدم، وإن العمل لن يتحقق بالتمني، ما لم تكن هناك مبادرات شجاعة وعزيمة قوية، وإن الرغبة والإخلاص للوطن سيفتحان طريقاً للإنتاج، وهناك دول أقل منا إمكانيات، لكنها شقت طريقها مع العالم المتقدم.
إذن؛ الاعتماد على تحصيل الرسوم من المواطن، يجب أن يكون مسألة تكتيكية، ولا يجب أن يكون الهدف بعيد المدى، فتضخيم فكرة الضرائب والرسوم، قد يكون لها مردود عكسي مع الوقت، وربما يمتنع المواطن عن الدفع ويعزف عن التجارة والصناعة، والنتيجة ستكون سلبية علينا جميعا، وما ننبه إليه اليوم، هو أنه يجب أن يكون نبراساً يدفعنا للبحث عن عمل يعتمد على الحلول الجادة، ونحن نقول هذا والمشاهد لا تزال ماثلة أمام أعيننا فنراها ونسمعها، ومن يعتمد على الحلول القصيرة، والسريعة فلا شك أنه مخطئ، والناس لن تسامح من ليس له فضل عليهم.. حفظ الله عُمان وجلالة السلطان قابوس المفدى والشعب العُماني الأبي.