طالب المقبالي
يلجأ كثير من المواطنين للسفر إلى الخارج لأسباب عدة، منها تأخر مواعيد العلاج في المُستشفيات التخصصية التي تتراوح بين ستة أشهر إلى سنة أو يزيد، كذلك مواعيد الأشعة، كالأشعة المقطعية وأشعة الرنين المغناطيسي وغيرها.
وغالباً ما تكون هذه الأمراض خطيرة ولا تحتمل الانتظار؛ كمرض القلب وغيره من الأمراض التي تتطلب تدخلا عاجلا وفوريًا.
وأهم سبب هو عدم ثقة بعض المرضى في الطاقم الطبي والأجهزة الطبية التي يديرونها وذلك بعد حدوث أخطاء طبية شهدتها بعض المستشفيات في السلطنة وبصورة متكررة، بعضها أخطاء خطيرة ومصيرية، مما خلق أزمة ثقة، وشكّل فجوةً بين المريض وبين العلاج في السلطنة، في حين أنّ الأخطاء الطبية واردة سواء في عمان أو خارجها.
وهناك مسببات أخرى تجعل المواطن يلجأ للسفر إلى الخارج للعلاج، وهو ابتعاث العديد من المواطنين للعلاج في الخارج على نفقة الحكومة، في الوقت الذي توجد فيه مراكز متخصصة للعلاج في السلطنة، وهذا ما جعل المواطن يشكك في قدرات هذه المراكز، ولسان حاله يقول: لو رأت الحكومة أنّ العلاج في السلطنة مجديا لما عَمِدَت إلى ابتعاث المرضى الآخرين للعلاج في الخارج، متمنياً أن يتم إيجاد حل لهذا الأمر، فالمبتعث جاري وجارك، وأنا أدرى بحاله.
في المقابل هناك كفاءات من الأطباء في السلطنة يتحدث عنهم الكثير من الناس ممن تعالجوا معهم، وهناك أجهزة متقدمة وحديثة، فلماذا لا يتم تطوير الكوادر الطبية لتكون قادرة على تلبية الحاجة والاستغناء عن ابتعاث المواطنين للعلاج في الخارج والذي يكلف مئات الآلاف من الريالات مما يرهق كاهل ميزانية الدولة، غالبية هذه الأمراض لا شفاء منها ولا علاج لها في أي قطر من أقطار العالم.
فقد سمعنا وشاهدنا أشخاصاً يبتعثون إلى دول غربية ودول آسيوية ويقضون أشهراً في الخارج مع مرافقيهم، ثم يعودون إلى السلطنة، وتكون لهم مراجعات أخرى لمواصلة العلاج، وفي حقيقة الأمر يعودن بلا فائدة، فأمراضهم لا شفاء منها، ورحلة العلاج وصفها البعض بأنّها رحلات ترفيهية مجانية لذوي المريض. لقد حدثني أحد الإخوة بقصة غريبة وقعت لأحد المرضى الباحثين عن العلاج الناجع في الخارج كدليل لوجود كفاءات من أبناء الوطن.
حيث أصيب أحد المواطنين بمرض عضال فذهب إلى أحد المستشفيات بالسلطنة، فالتقى بطبيب عماني شاب متخصص في ذات المرض الذي يعاني منه ذلك الرجل، فأجرى له الفحوصات اللازمة، وبعد ظهور التقارير أخبر الطبيب المريض بأنّه يحتاج إلى عملية جراحية وطمأنه بأنّه هو من سيقوم بإجراء العملية، وأنّ العملية ناجحة بإذن الله، إلا أنّ المريض لم يقتنع بما قاله الطبيب فقرر السفر إلى الخارج للعلاج. بالفعل ذهب الرجل إلى أحد المستشفيات الكبيرة في تلك البلاد وأجرى الفحوصات الاعتيادية، وبالفعل قرر الأطباء إجراء العملية له، وأبلغوه أنه محظوظ، فالطبيب الذي سيجري له العملية طبيب زائر.
سُرَّ الرجل بما سمع وارتفعت معنوياته، فتم تحديد موعد العملية له، وبالفعل خضع الرجل للعملية فكانت عملية ناجحة.
حضر الطبيب للاطمئنان على المريض بعد أن مضى بعض الوقت على العملية، فسلم عليه وهنأه بنجاح العملية، وسأله إن كان يعرفه، فقال المريض لا يا ولدي لم أعرفك، فقال له الطبيب، أنا الطبيب الزائر الذي أجرى لك العملية، وأنا الطبيب الذي أخبرك في عُمان أنك تحتاج إلى عملية.
المشكلة التي نعاني منها في عُمان هو عدم الثقة في مستشفياتنا وفي مؤسساتنا الصحية والتعليمية وفي كل ما هو عُماني.
فبالرغم من تقدم الطب في بلادنا إلا أننا لا زلنا نسافر إلى الخارج للعلاج، ولا زال هناك ابتعاث للعلاج في الخارج من قبل الحكومة.
لقد حظيت الرعاية الصحية في السلطنة باهتمام كبير من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه-.
فأنشئت المستشفيات والمجمعات والمراكز الصحية في مختلف ربوع البلاد من محافظة مسندم شمالاً إلى محافظة ظفار جنوباً وزودت بأحدث الأجهزة الطبية الحديثة، كما زُودت بأمهر الأطباء، والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا الابتعاث للعلاج في الخارج مستمر؟ ولماذا ما زالت الأخطاء الطبية متكررة، ولماذا مواعيد العلاج والأشعة طويلة؟ أسئلة عديدة تحتاج إلى إجابات.