ظلال باهتة (قصة قصيرة)

نهى الطرانيسي| مصر

 

دخان شفاف، عطر يُطرب الأنف وترضى العين لمرآه، نظرة أمي لطنجرة الطعام فوق الموقد، ومنديل تسلل للخلف كاشفًا عن نصف رأسها المغزول بين الأبيض والأسود وشعيرات قديمة من أثر الحنّاء.. رفعت أكمامها عن ساعديها لعجلتها، قطرات عرق لم تنتبه لها خلف بسمتها المهيَّأة للقائنا.

شاركتها الجدة الجالسة القرفصاء بعباءة قاتمة وغطاء خفيف على رأسها.. دلو كبير أمامها للعجين.. همة الجدة.. اصطفاف الصغار حولها انتظارا لخروج رغيف ينفث لهيبَ دخانٍ من بين شقوقه.

القرص بدا ساطعا منذ ساعات، ضوؤه انتشر في الغرف، أضاء الوجوه نضارة وضياءً.. زجاجات العصير المختلفة فوق طاولة بعيدا عن الموقد، وعامل بسيط يطل من الباب بظل قصير حاملا لوح ثلج، وبجانب الباب سطل وُضع انتظارا لهذا اللوح.

درج صغير داخل المنزل تقافزت عليه الطيور اشتراكا مع الأطفال الذين ملأت وجوههم ضحكاتهم، وجانب من الطعام المطحون في أفواههم، والنصف المتبقي ما زال في أيديهم.

لوحة انتهيتُ منها على جانب الطريق، تأملتُها مثل المارة الذين أنتظر منهم الثناء ببنسات معدودة، حياة غدت على رغم مني، وغصة قلب أمْلَت على ريشتي أن تُعيد لي فصلًا قصيرًا من حياتي السابقة، لألتقي بوجوههم، فالعين فقدت بريق الأمل بعد فقدانهم.

شاركني بتنهيدةٍ حارةٍ جارُ الطريق، عازفٌ والقبعةُ أمامه ما زالت خاوية من الفضة، ترك العزفَ وبصوت مكتوم: (ما نحن إلا ظلالٌ باهتة !!  أين أنتم وأين نحن؟!).

تعليق عبر الفيس بوك