السعودية تسعى لشراء أكبر مصفاة نفط في العالم.. والخبراء يدقون ناقوس الخطر

 

ترجمة- الرؤية

حذرت وكالة بلومبرج الاقتصادية الهند من مغبة بيع حصة بنحو 10 مليارات دولار من شركة "ريليانس إنداسترايز" الهندية المالكة لأكبر مصفاة نفط في العالم، لصالح شركة "أرامكو" السعودية.

وفي مقالة للكاتب الاقتصادي ديفيد فيكلينج نشرتها الوكالة الاقتصادية المتخصصة، يرى فيكلينج أن "استرخاء" الهند أمام تحركات أرامكو التي وصفها بأنها عملاق الشرق الأوسط، من شأنه أن يزيد الأمور سوءا.

وتعتمد الهند بالفعل بشكل كبير على الوقود الخام المستورد. وتبذل شركة النفط السعودية قصارى جهدها لكي تبدي ودًا مع أحد أكبر عملائها، فمبجرد استحواذها على 70% من شركة الصناعات الأساسية السعودية العملاقة للصناعات الكيماوية "سابك"، وإصدار أول سندات لها على الأطلاق، تتطلع أرامكو لشراء حصة في مصفاة جامناجار وهي أكبر مصفاة تكرير نفطية في العالم، وتقع في جوجارات بالهند.

ونقلت بلومبرج عن مصادر مطلعة، أن الملياردير الهندي موكيش أمباني وهو رئيس مجلس إدارة شركة "ريليانس إنداسترايز" المحدودة يسعى إلى بيع ما لا يقل عن ربع أعمال التكرير الخاصة به مقابل 10 مليارات دولار، في وقت تلقى فيه عروضا من أرامكو وشركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك". وتبلغ القيمة السوقية لمصفاة ريليانس جامنجار حوالي ضعف حجم أكبر مصفاة في الولايات المتحدة، والتي تقع في "بورت آرثر" وتعود ملكيتها إلى شركة أرامكو السعودية التي استحوذت عليها قبل سنوات.

وحذرت المقالة الهند من السعودية فيما يتعلق بالعلاقات التجارية وتبنى سياسات أرامكو التوسعية، فلدى المملكة "إدمان خطير" على الوقود الخام المستورد، وأنه يجب على الهند ألا تتعامل بود شديد مع الشركة.

وقالت "بلومبرج" إنه لأكثر من قرن من الزمان، كان الظهور القوي للاقتصاديات الكبرى مرتبط بالنفط، واحتفظت الولايات المتحدة الأمريكية بكونها أكبر مستهلك للنفط في العالم وأكبر منتج لها أيضا. كما اعتمدت روسيا الاتحادية على حقول النفط في القوقاز وسيبريا، بينما تفوقت الصين على أمريكا كأكبر مستورد للنفط في العالم، علاوة على كونها أكبر مُنتج خارج منطقة الشرق الأوسط بعد الولايات المتحدة وروسا وكندا.

لكن في المقابل، لا تنتج الهند سوى بمعدل أكثر من أذربيجان. ورغم وصول إنتاج الهند من النفط إلى ذروته، لكنه لم يظهر أي علامة على الانتعاش. والتحول الصناعي في مجتمع زراعي كالهند عملية كثيفة الاستهلاك للطاقة. وإذا كانت التنمية في الهند يقودها النفط الخام، فستلجأ البلاد إلى شراء الكثير من أرامكو ونظيراتها.

ومن شأن هذا المستقبل أن يُشكل مخاطر، ما قد ينتج عنه أزمات في ميزان المدفوعات والتي تمثل خطراً متكرر الحدوث على الاقتصادات الناشئة. وحتى في مرحلتها الحالية من التنمية، فإن النفط يمثل ربع وارادات الهند. وفي حال ارتفاع الأسعار- كما هو حتمي الحدوث إذ ترتفع من وقت لآخر، فإن ذلك أمر جيد للرياض لكن من المحتمل أن يكون مدمراً لنيودلهي.

وعندما يبلغ متوسط سعر النفط الخام 85 دولارا للبرميل- وهو المستوى تقريباً الذي تستطيع السعودية من خلاله الوصول لسعر التعادل في ميزانيتها وفقًا لصندوق النقد الدولي- فإن واردات النفط ستخفض إجمالي الناتج المحلي للهند بنحو 3.6 نقطة مئوية، وفقاً لدراسة قام بها بنك الاحتياطي (المركزي) الهندي.

وحسب بعض الأراء فإن ارتفاع الأسعار سيتسبب في ارتفاع التضخم وإضعاف الوضع المالي للحكومة.

وفي الوقت الحالي، تتراجع وطأة هذه المخاوف إلى حد ما، إذا ما وضع في الاعتبار أن حوالي ثلث واردات الهند من النفط يعاد تصديرها كمنتجات نفطية، مما يمنح البلاد حماية طبيعية ضد ارتفاع الأسعار. فمثلا لا تُنتج مصفاة جامناجار سوى للتصدير، ما يعني أنه من المحتمل أن تقدم مساهمة إيجابية متواضعة في الميزان التجاري، باعتبار أن المنتجات النفطية أعلى قيمة من الخام الذي تتم إنتاجها منه.

وفي حالة نمو الاستهلاك المحلي بوتيرة أسرع من القدرة التصديرية لمصفاة التكرير، فإن اعتماد الهند على النفط سيزيد بمعدلات أعلى من الوقت الراهن. وفي أسوأ السيناريوهات، يهدد ارتفاع أسعار النفط بدفع البلاد نحو أزمة ميزان مدفوعات، مثل الأزمة التي عانت منها في عام 1991، عندما تسبب الارتفاع المفاجئ في واردات النفط خلال العقد السابق إلى تعهد نيودلهي باحتياطاتها من الذهب كضمان لعمليات الإنقاذ من المقرضين متعددي الأطراف.

وتدرك الهند أن اعتمادها على النفط الخام المستورد يهدد النمو الاقتصادي، وتأمل الحكومة بحلول 2030 أن يكون نحو 30% من السيارات الجديدة والدراجات كهربائية الطاقة، خاصة وأن الهند موطن لأكثر من 1.5 مليون مركبة كهربائية. وتعمل الهند على تعديل السياسات الضريبية لتشجيع هذا الانتقال. ففي بلد عرضة لخطر جسيم نتيجة التغير المناخي، واختناق مدنه بالفعل من دخان المركبات، فإن تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد، أكثر من مجرد كونها قضية مرحلية.

وهذا المسعى ليس بعيد المنال، في ظل تكلفة إنتاج الطاقة من الرياح والشمس محليا. ومع ذلك، لم تتمكّن أي دولة من تصنيع كميات منخفضة من الكربون على هذا النطاق من قبل، لذلك لن يكون الأمر سهلاً، لكن المملكة العربية السعودية تأمل أن يكون هذا مستحيلًا. فمن خلال وعدها بشراء جزء كبير من شركة ريلاينس والمساعدة في تمويل مصفاة جديدة بحجم جامناجار في غرب الهند بتكلفة تبلغ 44 مليار دولار، تعول أرامكو على عدم قدرة البلاد على التخلص من استهلاك النفط، لذا يجب على الهنود أن يأملوا أن يكون هذا خطأ.

تعليق عبر الفيس بوك