◄ التحول نحو الاقتصاد الأخضر بات أولوية وليس خيارا في "رؤية 2040"
◄ تطوير القطاع السياحي يعزز التنمية المستدامة عبر منتجات سياحية صديقة للبيئة
ناقشَ المحورُ الأول "تخضير الاقتصاد وبناء الثروات" من "منتدى عمان البيئي" في دورته الثالثة "الاقتصاد الأخضر.. مستقبل التنمية الآمن"، وشهد عرض ورقة عمل قدمها الدكتور يوسف بن عبدالله البلوشي رئيس مكتب نقل المعلومات والمعارف والتكنولوجيا بوزارة الخارجية، وكذلك ورقة عمل ثانية قدمها الدكتور يوسف بن حمد البلوشي الخبير الاقتصادي بمكتب رؤية عُمان 2040، وحملت عنوان "التحول الاقتصادي في إطار الرؤية عُمان 2040.. التحديات والأولويات".
الرؤية - وليد الخفيف - مريم البادية
تصوير/ راشد الكندي
وفي ورقة العمل الأولى، استعرض رئيس مكتب نقل المعلومات والمعارف والتكنولوجيا بوزارة الخارجية مفهوم الابتكار وآليات تعزيز الاقتصاد الأخضر من خلال توضيح عدة تعريفات؛ منها الاقتصاد الحر، مشيدا بالجهود التي تبذلها أجهزة الدولة المعنية بمجال البيئة، مؤكدا أن تطبيق الاقتصاد الأخضر يمثل أولوية في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه العديد من الدول.
النمو المستدام
وقال البلوشي: "للاقتصاد الأخضر أبعاد مختلفة ومتنوعةح فهناك أبعاد خاصة بالسياسات والتشريعات، وهناك أبعاد أخرى متعلقة بالاقتصاد والنمو المستدام، وربما بات التركيز في الآونة الأخيرة على الابتكار الذي نال نصيبا كبيرا من نقاشات الأجندة الأممية تزامنا مع ارتباطه بأهداف التنمية المستدامة الـ17، والتي تطمح السلطنة أن تدعم تحقق التنمية الشاملة المستدامة بحلول 2030، والتي ترتكز على الاستدامة البيئية وتحقيق النمو". وأشار إلى أن الخطوط العريضة الموضوعة والجهود الأممية تبقى مقدرة، غير أن الأهم يتمثل في الجهود والمساعي الوطنية لكل دولة بسبب تعلق الأمر بالتنافسية والترتيب العالمي. وتابع أنه على الرغم من الجهود المبذولة فيما يتعلق بالحفاظ على البيئة، إلا أنه لم يتم التركيز على مسألة التصنيفات العالمية، رغم ما تسهم به من دور إيجابي في دعم اقتصاد السلطنة وقدرتها على جذب الاستثمارات. وأوضح البلوشي أن "الثورة البيئية" امتدت عبر سنوات، وهناك العديد من المبادرات على مستوى الأمم المتحدة أو المبادرات الإقليمية ذات التاثير على دعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر أو المشروعات الصديقة للبيئة. وقال إنه يتعيَّن على السلطنة اتخاذ المزيد من الخطوات لدعم الترتيب العام في المؤشرات الدولية.
أما ورقة العمل الثانية، والتي حملت عنوان "التحول الاقتصادي في إطار رؤية عمان 2040.. التحديات والأولويات"، فقد ناقشت التحولات الكبرى التي تستهدفها الرؤية، وأكد الدكتور يوسف بن حمد البلوشي الخبير الاقتصادي بمكتب رؤية عُمان 2040، أن السلطنة قادرة على تحقيق الأهداف الموضوعة لهذه الرؤية الطموحة، مستندا إلى الشواهد الدالة في العقود الخمسة الأخيرة على النجاحات التي تحققت في العديد من القطاعات؛ مثل: البنية الأساسية والتنوع الاقتصادي ونمو الناتج المحلي وبناء الإنسان العماني، فضلا عن تعزيز الجوانب الاقتصادية والاجتماعية الاخرى. وشدد البلوشي على أن تحقيق الاستدامة هدف أصيل للرؤية المستقبلية، مشيرا إلى أن الرؤية تسير على مبادئ وثوابت وضعها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- منها أن الرؤية من المجتمع وإلى المجتمع؛ لذا جاب فريق العمل كل محافظات وولايات السلطنة، وعقد العديد من حلقات النقاش مع كافة الأطياف ومختلف الأعمار. وأضاف أنَّ "رؤية عمان 2040" قامت على استشراف المستقبل، وكيف سيكون المستقبل في ظل التحولات الاقتصادية الممثلة في التحول إلى ما بعد النفط، واعتماد العالم على طاقة بديلة مثل الكهرباء، وسبل التحول السهل إلى الاقتصاد الأخضر الذي بات أولوية وليس خيارا".
وبيَّن أنَّ الجديد في الرؤية يتمثل في أن كتابتها وصياغتها تمت بأيدٍ عمانية عن طريق خمس لجان قطاعية؛ منها: لجنة الإنسان والمجتمع والاقتصاد والبيئة والحوكمة، بهدف وضع عمان في مصاف الدول المتقدمة، لكنه أشار إلى أن تحقيق ذلك يحتاج لعمل كبير في مختلف القطاعات، وضرب مثالا بألمانيا التي تعمل حاليا على التحول نحو اقتصاد أخضر مستدام.
وحول مؤشرات الرؤية، أوضح البلوشي أن هناك 64 مؤشرا دوليا ومحليا، مشيرا إلى أن السلطنة تحتاج لجذب المزيد من الاستثمارات والدخول في شراكات مستدامة لتحقيق التحول نحو الاقصاد الأخضر، والدخول في مشاريع انتاجية تحقق التنوع الاقتصادي المطلوب".
مناقشات واسعة
وانطلقتْ بعد ذلك، جلسة نقاشية، أدارها الدكتور مهدي جعفر استشاري استدامة، واستهلها الدكتور سيف الحجري رئيس "أصدقاء الطبيعة" السفير الدولي للمسؤولية المجتمعية بدولة قطر، بالحديث عن أهمية القيم والأخلاقيات قبل المعرفة، معتبرا أن الاقتصاد الأخضر وغيره من قضايا البيئة لن يحقق مبتغاه إلا عبر تطبيق القيم الموجودة لدى البشر. وأضاف أن تجربة الدول في الاقتصاد الأخضر لا تزال ناشئة، مشيرا إلى أن دولة قطر اهتمت بهذا الجانب، وبذلت الجهود في التنمية البشرية والاقتصادية، لكنه أوضح أن هذه التنمية تحتاج إلى استثمار في البحث العلمي، فالدولة التي لا تنفق للبحث العلمي ستظل مستهلكة. وقال إن دولة قطر وضعت للاستثمار في مجال البحث العلمي 2.8% من الدخل القومي.
وحول دور مؤسسات التعليم في غرس قيم الاستدامة بنفوس الطلاب، قالت الدكتورة هبة عبدالعزيز عميدة كلية الاقتصاد وإدارة الأعمال في الجامعة الألمانية بمسقط: إن الجامعة الألمانية ملتزمة بتقديم قيم الاستدامة؛ حيث فازت الجامعة بالمركز الثاني في البيت البيئي الذي تأسس من قبل قسم الهندسة البيئية في الجامعة، كما أن مناهج الجامعة تتعرض للكثير من قيم التنمية المستدامة، وهي ملتزمة بهذا الموضوع، وإن ما يميزها قدرتها على نقل الجانب النظري إلى تطبيق عملي.
وأشارت عبدالعزيز إلى ضرورة تطوير القطاع السياحي وارتباطه بالتنمية المستدامة، خصوصا الاقتصاد الأخضر، مؤكدة أن رأس مال هذا القطاع في السلطنة هو البيئة، لكن حتى الآن لم تُوظف هذه المعطيات بالشكل المطلوب. وتحدثت عميدة كلية الاقتصاد عن بعض نماذج السياحة المستدامة في السلطنة المطبقة لنظام الاقتصاد الأخضر؛ منها: مشروع في "مسفاة العبريين" وكذلك "مشروع حارة العقر في نزوى"، وأوضحت أن هذه المشاريع رغم صغر حجم طاقتها الاستيعابية، إلا أن مساهمتها الاقتصادية والبيئية أعلى من غيرها.
فيما تحدث حمد الغيثي القائم بأعمال مدير أول الجودة والصحة والسلامة البيئية في شركة حيا للمياه، عن مساهمة الشركة في الاقتصاد الأخضر، وقال: إنَّ حيا للمياه هي شركة خضراء تسعى للاهتمام بالبيئة من خلال تحويل مياه الصرف الصحي إلى منتجات صديقة للبيئة. وأضاف الغيثي أن لدى الشركة منتجا يحول مياه الصرف الصحي إلى سماد عضوي، وهو مشروع "تحويل مخلفات العضوية الصلبة الناتجة عن مياه الصرف الصحي إلى سماد عضوي "كلأ"، ويستخدم في الزراعة ويتميز بجودة عالية، مشيرا إلى أن الشركة تملك مصنعا للسماد في العامرات، ويسهم في التقليل من الانبعاثات الكربونية.
أمَّا المهندس محمد كفافي رئيس المجلس العالي للاقتصاد الأخضر، فأوضح أن الاقتصاد له 7 ألوان: أسود ورمادي وبني وأبيض وأحمر وأزرق وأخضر، والأخير هو الأفضل بينهم جميعا؛ لأنه يجمع كل المزايا الموجودة في جميع الألوان الأخرى. وتطرق كفافي إلى توصيته التي طرحها خلال ورقة العمل التي قدمها، والخاصة بإنشاء مركز وطني يخص الاقتصاد الأخضر، وقال إنه يأمل أن يكون مركزا حكوميا يتشكل من مختلف قطاعات الدولة المعنية بالمشروعات والتنمية، وسيعمل على توعية المجتمع بأهمية التوجه نحو الاقتصاد الأخضر ويقوم بوضع الخطط والإستراتيجيات الداعمة لهذا التوجه.
تخضير المهن
وعاد الحديث مرة أخرى إلى الدكتور سيف الحجري، الذي أشار إلى أهمية "تخضير المهن"؛ بمعني أن كل فرد في المجتمع يزاول مهنة ما يجب أن يملك معلومات بيئية، ضاربا المثال بالمهندس الذي يبني المنزل دون أن تكون لديه معرفة بيئية، تجعله يبني بيتا صديقا للبيئة. وأشار أيضا إلى علاقة الاقتصاد الأخضر بتوفير وظائف خضراء، وقال إن مشروعات إعادة تدوير المخلفات سواء الصلبة أو السائلة يُمكنها أن توفر العديد من الوظائف للشباب الباحثين عن عمل، فكل طن من المخلفات يوفر 5 إلى 8 فرص عمل.
وتحدَّث رئيس مكتب نقل العلوم والمعارف والتكنولوجيا بوزارة الخارجية، عن الصورة النمطية، عن أي دولة فيما يخص الابتكار وترتيبها العالمي، داعيا إلى أهمية تمكين المبتكرين، خصوصا في جانب الاقتصاد الأخضر، وزيادة الوعي حول ماهية الاقتصاد الأخضر؛ من خلال تنظيم حملات توعوية للحث على التوجه إلى هذا الجانب.
وأعربَ يوسف بن حمد البلوشي الخبير الاقتصادي بمكتب رؤية عمان 2040، عن تفاؤله بقدرة الرؤية المستقبلية على تحقيق أهدافها إذا ما قورنت مع رؤية 2020، وقال إن رؤية 2020 صيغت في بداية التسعينيات، ولم تكن الثورة التكنولوجية قائمة كما هي الحال الآن، علاوة على أن مقومات الدولة العصرية لم تكن ظهرت وقتئذ، وفي المقابل فإن رؤية عمان 2040 بنيت من المجتمع وإلى المجتمع.
واختتمت الجلسة بالرد على استفسارات الحضور، وكان من بينها ما يتعلق بالنفايات الناتجة عن ناقلات النفط في البحار، ورد الدكتور مهدي جعفر قائلا: إن دول الخليج مجتمعة تتعامل مع موضوع النفايات الناتجة عن ناقلات النفط وفق الضوابط الدولية، ولا يجوز لأي من هذه الدول أن تخرج عن تلك القواعد، مشيرا إلى أن النفايات التي نجدها على سواحلنا هي مخالفات لبعض القباطنة الذين يعملون بطرق غير شرعية. وأوضح في هذا السياق أنَّ عُمان تسيِّر طائرات تجوب البحار بالتعاون مع سلاح الجو السلطاني العماني وخفر السواحل، لمتابعة الخارجين عن القانون ويلقون بالنفايات على هذه السواحل.