المركز الوطني للتشغيل.. تحديات وحلول

 

خلفان الطوقي

تداول بعض المغردين في وسائل التواصل الاجتماعي اسم رئيس المركز الوطني للتشغيل، وكان هناك تفاعل كبير حول هذا الموضوع بشقيه المعتاد الإيجابي والسلبي، والذي أصبح من الظواهر المعتادة عند استحداث أي موضوع يخص المواطن أو المحيط الذي يعيشه، وبما أنّه من المتوقع أنّه أصبح قريبا سيتم الإعلان عن ممثلي الحكومة وممثلي القطاع الخاص، فكان لابد من رصد أهم التحديات التي قد تواجه هذا المركز الوطني الاستراتيجي الهام؟ ولكي تكتمل الصورة ويأتي المقالة بما هو أهم، وهو كيفية التغلب على هذه التحديات؟ وما هي الحلول المناسبة لمواجهتها؟

إنّ من أهم التحديات التي قد تواجه هذا المركز هي شبيهة إلى حد كبير التحديات التي واجهت معظم التوصيات والتشريعات والسياسات والمبادرات والهيئات الحكومية السابقة، سوف أذكر أهمها؛ عدم الاستقلالية الكاملة في اتخاذ القرار، بمعنى أنّ ما سوف يراه مجلس إدارة المركز من قرارات وتوصيات قد تتصادم مع قرارات لجهات حكومية أخرى، ولا تكتشف إلا عند إقرارها في أرض الواقع، وتكون الغلبة حينها للجهة الأقوى أو من يمثلها، من التحديات أيضًا أنّ موضوع التوظيف هو من أشد المواضيع حساسية ليس في عمان فقط وإنّما في العالم أجمع، وتعود حساسيته أو تعقيداته أنّ المتعاملين مع هذا الملف هي جهات وأطراف كثيرة، وكل جهة أو طرف له زاوية وأولوية أولى، فالباحث عن الفرصة الوظيفة تهمه الوظيفة ولا يهمه غير ذلك، وولي الأمر يرى أنّ الوظيفة هي حقا واجب لأبنه أو ابنته وعلى الدولة أن تقوم بتوفيرها، وصاحب العمل يرى بأنّ من حقه أن يختار الأفضل من المتقدمين لهذه الفرصة دون تدخل أو ضغط جهة معينة في فرض فلان معينا عليها وفي الوقت الذي يرتبط بالحاجة الفعلية للتوظيف، وباقي الجهات الحكومية المشاركة في هذا الموضوع ترى أنّها تقوم بأفضل ما لديها، وأنّ المشكلة تكمن في جوانب أخرى لا تخصها كنوعية التعليم الذي تلقاه الباحث عن الوظيفة أو المستوى الاقتصادي للبلاد أو التكوين المجتمعي التي أثرت بطريقة ما على نظرة المجتمع لبعض الوظائف والمهن التي زادت من هذا الموضوع حساسية وتعقيدا، وقس على باقي الجهات والأطراف الأخرى التي تحتاج إلى "دراسات تحليلية" في تباين نظرتها للموضوع والحلول المثالية التي تمثل أولوياتها دون النظر إلى باقي الصورة الشاملة.

أضف إلى التحديات السابقة هذا التحدي وهو الإحصائيات الدقيقة، فكل جهة لديها إحصائيات معينة مرتبطة بتعريفها للباحث عن عمل، أيضا بارتباط تجديد هذه الإحصائيات بالتفاعل المستمر من قبل الفئة المستهدفة، فحسب المعطيات المنشورة سوف تجد التفاعل من عدمه، وأخيرا التحدي الجدير أخذه بالاعتبار ويتكون من شقين وهو الوضع المالي للبلاد وأقصد الميزانية العامة للدولة، والوضع الاقتصادي وهو الانكماش العالمي للبيئة الاقتصادية ووقوع ظلاله على دول مجلس التعاون ومنها السلطنة، فالحلول المرتبطة بالضخ المالي في الأعوام السابقة والتي تجاوز سعر برميل النفط ١٠٠ دولار أمريكا أصبحت الآن أكثر صعوبة وتعقيدا.

بعد تحديد التحديات وما أسهل تحديدها، فما هي الحلول لهذه التحديات يا ترى؟ الحل الجوهري كما أراه يكمن في تمكين المجلس وتوفير له "الممكنات" والتفاويض اللازمة ليقوم بعمله على أكمل وجه، وتنفيذ توصياته لتكون ملزمة وخاصة فيما يخص التوصيات التشريعية والقانونية والتعليمية والتدريبية التي تساهم في ضمان توسعة رقعة الاقتصاد العماني، فمن المسلمات التي علينا أن نتفق عليها أن المركز لن يستطيع حل مشكلة التوظيف بشكل جذري ومستدام ما لم يستطع خلق بيئة تساهم في توسعة رقعة الاقتصاد العماني من خلال توفير حزمة من التشريعات المغرية التي تحفز أصحاب رؤوس الأعمال ليس فتح أعمالها التجارية بل استمراريتها، ومقدرتها على جذب رؤوس أعمال أجنبية جديدة تتناسب مع النمو السكاني للبلاد وزيادة الباحثين على الفرص الوظيفية، ومواجهة الانكماش الاقتصادي بإيجاد محفزات مغرية تنعش الوضع الاقتصادي.

يمكن للمركز الوطني للتشغيل أن يحقق إنجازات فورية "quick wins" إذا استطاع أن يستفيد بأقصى حد ممكن مما هو متوفر في مركز سجل القوى العاملة والمديرية العامة للتشغيل والصندوق الوطني للتدريب والبناء عليه، ولكن إن أراد أن يحقق أهدافا مستدامة فلابد أن يخلق شراكة استراتيجية حقيقية (حكومية/حكومية) مع المنظومة كاملة التي لها علاقة ببناء فكر الإنسان العماني علميا ونفسيا، وتسخير كل الطاقات المالية والإعلامية والتشريعية لتجاوز "هاجس التوظيف" الذي يتكرر بين فترة وأخرى، وتفعيل الشراكة الحقيقية بين (الحكومة والقطاع الخاص) من خلال ممثلي القطاع الخاص في مجلس الإدارة الذين يستطيعون بخبراتهم التراكمية طرح حلول توافقية مقبولة نسبيا تناسب القطاع الخاص والمجتمع على حد سواء.