"فورين بوليسي": خسارة أردوغان في الانتخابات البلدية "تدمير" للحزب الحاكم

ترجمة- رنا عبدالحكيم

اعتبر تقرير لمجلة فورن بوليسي الأمريكية أن خسارة الحزب الحاكم في تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان للانتخابات البلدية في اسطنبول، أكبر مدن البلاد، يمثل تدميرا للرئيس، وأن "الفائز الحقيقي" في الانتخابات البلدية التركية، هو حزب الحركة القومية ذو النزعة المتطرفة.

وشهدت الانتخابات البلدية في تركيا تحولا دراميا في مجرياتها؛ حيث فجرت المعارضة العلمانية مفاجأة مدوية في وجه رئيس البلاد القوي رجب طيب أردوغان، وهو ما وُصف بانتصار تاريخي للمعارضة، لا سيما بالنظر إلى أن أردوغان- الذي لم يخسر انتخابات واحدة منذ انتخابه عمدة اسطنبول في عام 1994- رأى حزبه الحاكم يخسر السباقات الرئيسية والتي حولها إلى استفتاء على شخصه.

ولأول مرة منذ ربع قرن، يبدو أن اسطنبول التي تمثل مركز القوة الاقتصادية التركية، ستخضع لسيطرة العلمانيين وليس الإسلاميين. ومن بين أكبر سبع مناطق حضرية في تركيا، بقيت اثنتين فقط بين يدي حزب أردوغان. ويرى التقرير الأمريكي أنه مع النتائج الحالية، سيعيش أكثر من نصف سكان البلاد في مدن مع رؤساء بلديات من المعارضة. وفي الوقت نفسه تمثل هذه المناطق محركات تركيا الاقتصادية؛ فاسطنبول وحدها تمثل حوالي ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وجنبا إلى جنب مع أنقرة وإزمير، تستحوذ على ما يصل لأكثر من نصف الاقتصاد. وهناك مدن رئيسية أخرى مثل أضنة وأنطاليا ومرسين أصبحت الآن أيضًا تحت سيطرة المعارضة.

وقال التقرير إنه على الرغم من ذلك، فإن فوز المعارضة بهذه النسبة من مقاعد المجالس البلدية ليست سوى نجاحا متواضعا لها؛ إذ إن هزيمة أردوغان ناجمة عن الأخطاء التي اقترفها بسبب سيساساته الداخلية والخارجية، وليس بفضل جهود بذلتها المعارضة. وأضاف التقرير: "لو أن حزب العدالة والتنمية قد دفع بعدد من رؤساء البلديات الناجحين للترشح، فربما كانت القصة بمثابة هزيمة أخرى للمعارضة. ولكن في الواقع، تم نقل شاغلي الوظائف من المقاطعات الأصغر مثل لقمان كاريجيكي وتيرجت التونيك، الذين تم تداول أسمائهم في البداية كمرشحين محتملين لخوض الانتخابات في أكبر مدينة في تركيا وعاصمتها، وانتهى الأمر بترشيحهم بدلاً من ذلك في بلديات أقل شهرة. ومع ذلك، فقد تفوقوا على حزبهم بأكثر من 10 في المائة، وجرت إعادة انتخابهم في أكبر ضواحي اسطنبول وأنقرة. وبدلاً من اختيار هؤلاء المرشحين الأقوياء، رشح أردوغان أقرب الموالين له، مثل رئيس البرلمان بن علي يلدريم ووزير الاقتصاد نهاد زيبيكسي، وقام بتحويل هذه الانتخابات المحلية إلى استفتاء على شخصه؛ حيث عقد 102 اجتماعًا في 50 يومًا".

وعندما أظهرت استطلاعات الرأي تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية، تحول أردوغان لاستخدام أدواته المعهودة في مواجهة خصومه، فقرر: "شيطنة" منافسيه، والسيطرة على موجات الإذاعة، وإلقاء اللوم على الأجانب، وأخيرا اللعب بورقة الدين. وأوضح تقرير فورين بوليسي أنه على الرغم من أن هذه الانتخابات تتمحور حول تنفيذ مشروعات وأعمال بلدية في المدن مثل تمهيد الطرق وتنظيف الشوارع، والاعتناء بالحدائق، إلا أن حزب العدالة والتنمية سعى إلى تحويلها إلى انتخابات تحدد مصير مدينة الرقة في سوريا والأوضاع في غزة، الأمر الذي أثر في الناخبين.

ويبدو أن أردوغان لن يستسلم بسهولة لخسارته الانتخابات في اسطنبول، حيث بدأ مساعٍ لإعادة الانتخابات في هذه المدينة، بعد فشل طلب حزب العدالة والتنمية بإعادة فرز جميع الأصوات غير الصحيحة لمحو هامش فوز مرشح المعارضة.

ويؤكد التقرير أن الحكومات المحلية تمثل شريان الحياة لحزب العدالة والتنمية، ففي عام 2018، بلغت ميزانية بلدية اسطنبول 42.6 مليار ليرة (8.85 مليار دولار)، أي أكثر من 6 في المائة من ميزانية الدولة، كما إن هناك مدن أخرى غنية بصورة ملحوظة؛ فمثلا تحظى بلدية العاصمة أنقرة  بميزانية قدرها 14 مليار ليرة (حوالي 2.5 مليار دولار).

واعتبر التقرير أن فقدان السيطرة على مدن مثل اسطنبول وأنقرة أمر مدمر لأردوغان.

ويستند أردوغان في قوته المحلية على ما تمثله الجمعيات الخيرية له من داعم رئيسي ومركزي، مثل جمعية التضامن الاجتماعي، ومؤسسة خدمات الشباب والتعليم(TURGEV) ، ومؤسسة شباب تركيا، وجمعية المعرفة الإسلامية، ومؤسسة الرماة، وجمعية المرأة والديمقراطية، وفريق التكنولوجيا التركي. وتتهم المعارضة أردوغان بالاستفادة من هذه المؤسسات التي تمثل "دولة رفاهية موازية" تدعم حكمه، ورشوة الناخبين عبر المساعدات الغذائية، والمدفوعات النقدية، والمنح الدراسية الجامعية، والتدريب المهني.

وتشارك عائلة أردوغان مباشرة في هذه الجمعيات الخيرية، فرئيسة جمعية التضامن الاجتماعي هي صديقة أردوغان سعدات غلبان، وابنه الأصغر، بلال، عضو في مجالس إدارة مؤسسة شباب تركيا، وجمعية المعرفة الإسلامية، ومؤسسة الرماة، وابنة الرئيس الكبرى، إسراء، هي عضو في مجلس إدارة مؤسسة خدمات الشباب والتعليم، وزوجة وزير المالية، بينما يعتقد أن ابنته الصغرى، سمية، واحدة من أكثر مستشاري والدها الموثوق بهم، وهي نائب جمعية المرأة والديموقراطية ويرأس زوجها مجلس أمناء فريق التكنولوجيا التركي.

وعند النظر إلى مجالس إدارات هذه المؤسسات، فإنها تضم كبار موظفي حزب العدالة والتنمية، ورؤساء البلديات، والمليارديرات المقربين لأردوغان، والذين تساعد مساهماتهم المالية في تمويل أنشطة المؤسسات الخيرية.

ويواجه أردوغان فضائح فساد منذ عام 2013، تتعلق بعمل هذه الجمعيات، والتي زعم فيها الرئيس التركي أنها "مؤامرة" يدبرها رجل الدين المقيم في أمريكا فتح الله كولن، والذي كان حليفا لأردوغان ذات يوم. وكشفت تسريبات لمكالمات مسجلة تورط بلال أردوغان في تبرعات غير قانونية، واستغلت المعارضة هذه الحوادث للنيل من أردوغان، ما دفع حكومة حزب العدالة والتنمية للاعتراف بتلك الوقائع. وأقرت الحكومة أمام البرلمان أن مؤسسة خدمات الشباب والتعليم تلقت بالفعل تبرعات تزيد قيمتها على 100 مليون دولار، بصورة غير قانونية. وكشف أحد كبار الصحفيين الاستقصائيين في تركيا مؤخرا أن بلدية اسطنبول الكبرى وحدها ساهمت بمبلغ 850 مليون ليرة لهذه الجمعيات الخيرية في عام 2018، فضلا عن الأموال التي حصلت عليها من مدن وبلدات أخرى يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية.

ولذلك استهل مرشح المعارضة وعمدة اسطنبول الجديد إكرام إمام أوغلو، العلاقة القائمة بين بلدية اسطنبول وهذه المؤسسات الخيرية بـ"الحميمية"، لكنه شدد على أنه قد ولى زمن البلدية التي تخدم رجلا معيناً ومعاونيه ومؤسساته.

تعليق عبر الفيس بوك