"هيكلة مجالس الإدارة الحكومية"

 

 

خلفان الطوقي

 

قضيّة الاختلاسات الأخيرة شغلت الجميع لأكثر من عشرة أيام وما زالت متداولة بكثافة في الأحداث العامة ووسائل التواصل الاجتماعي، والنّاس تترقب كيف سوف تتعامل معها الحكومة؟ وهناك الآلاف من المغردين والكتاب والمتابعين كل أدلى بدلوه، وطرح ما يراه مناسبا لتقليل نسبة التجاوزات الإدارية والمالية، فمن هذا الباب سوف يكون مضمون هذا المقال طرح أفكار وحلول واقعية طبقت في دول أخرى ونجحت، وطبقت أيضا في عمان ونجحت، ولكن كان تطبيقها على استحياء وفي حدود ضيقة جدا، ونقصد هنا إعادة هيكلة مجالس الإدارة في الشركات الحكومية وتطعيمها بشخصيّات مستقلة غير حكومية، ولكي يفهم الوضع العام سيتم شرح الوضع الحالي لهذه الشركات، والمأمول إذا تمّت إعادة هيكلتها.

إنّ الوضع الحالي لمعظم مجالس الهيئات والشركات الحكومية هو من موظفي القطاع الحكومي، وتجد معظم من يترأسها برتبة وزير، ويستثنى من ذلك مجالس إدارات قليلة منها مجلس إدارة شركة نفط عمان ومجلس الإدارة المرتقب للمركز الوطني للتشغيل وعدد قليل من المؤسسات والشركات الحكومية، طبقت الفكرة في نطاق ضيق جدا، ولذلك وصفت الخطوة بأنها عن استحياء، فبما إنّ السلطنة دولة مؤسسات وقانون وتنادي بالحوكمة في مؤسسات القطاع الخاص فالأولى لها أن تقفز قفزات جريئة لتطعيم مجالس إدارات هيئاتها وشركاتها بنسبة معينة من الشخصيات المرموقة من القطاع الخاص، فليكن بنسبة (٦٠% للحكومة مقابل٤٠% القطاع الخاص والمجتمع المدني) ولسنوات معينة وفي شروط ومعايير صارمة، ولاختصار الزمن يمكنها الاستفادة من القوانين المطبقة في الهيئة العامة لسوق المال من خلال المركز التابع لها مركز عمان للحوكمة والاستدامة المطبق في الشركات المساهمة العامة والمغلقة.

تطبيق الحكومة لمبدأ تعيين أعضاء مستقلين من القطاع الخاص أو المجتمع المحلي في جميع المؤسسات والشركات الحكومية لن يخسرها شيئا، بل سيكسبها سمعة دولية مرموقة وشفافية عالية وخبرات تراكمية ومعارف نوعية ودماء جديدة تضمن لها دينامكية الحركة والتسابق المستدام مع المستجدات العصرية وجسارة في القرارات التجارية ودقة في التقييم الدوري لأداء هذه المؤسسات، بل سيرفع عن الحكومة حرج طغيان بعض الشخصيات وتكرار أسمائها في كل مجلس، وحرج خسارة واستنزاف بعض الشركات الحكومية او اخفاق بعض سياساتها.

إقناع الناس أصبح صعبا بأن المؤسسات والشركات الحكومية بأنها سيادية ولا يمكن أن تُقيم أو تمس أو تفصح عن أدائها الإداري وبياناتها المالية، ولتفادي هذا المطلب المتكرر من الناس، يمكن ذلك من خلال تطعيم جميع مجالس الإدارات والشركات الحكومية بشخصيات مستقلة لها ثقلها ومصداقيتها خاصة إذا أريد لها العمل بعقلية القطاع الخاص الربحي أو على الأقل المعتمد على نفسه وتغطية تكاليفه لكي لا يستنزف أموالا طائلة عاما بعد عام من خزينة الدولة دون توضيح المبررات أو إعادة هيكلة أو محاسبة أحد، وما دام الحكومة قد قامت بعدد من المبادرات النوعية وتطعيم مجالسها بشخصيات مستقلة ولم تكن هناك إخفاقات لهذه الخطوة النوعية؛ فما عليها إلا أن تطبق ذلك في باقي شركاتها ومؤسساتها بكل جسارة ووفق معايير شفافة وصارمة، واستقطاب شخصيات تتميز بسمعتها وأدائها وإكساب هذه المؤسسات والشركات "قيمة مضافة" يرفع عنها الانتقادات المجتمعية المتكررة.