آباء وأبناء.. الرِّجال تائهون!

 

د حارث بن عبدالله الحارثي

لا أدري لماذا، ولكن هناك شيوع لفكرة "قسوة الأب على ابنه وعطفه وحنانه على بناته".. كثيرًا ما تكون ذكريات الأولاد عن والدهم مقترنة بالقهر والعنف والغضب، وفي المقابل نرى العكس فيما يتعلق بعلاقتهم بأمهاتهم.

رُبما هي رغبة الوالد في أن يدفع ولده ليصبح الأفضل!! ربما هي رغبة الولد في أن يُحبه والده لذاته دون أي توقعات وبدون شروط!!

عند مُتابعتي للكثير من المفكرين والمثقفين الذكور، أجد تأثير آبائهم عليهم كبيرا جدا، وخصوصا التأثير السلبي. الكثير من "الأبناء" كبروا ولا هدف لهم غير "عدم أن يصبحوا كآبائهم" فتراهم يرفضون الاعتراف بحقيقة أن كل ما فعله الأب -وإن بدا سيئا- فهو في النهاية ناجم عن الحب ولا شيء غير الحب.

عندما أنظر إلى ابني، ينتابني التفكير الجارف فيما أريده أن يكون عليه، وما يستطيع هو أن يكونه.. ودائمًا يزيد ما يستطيع أن يكونه على ما أريده؛ فأرفع سقف ما أريد لأصل -كما وصل غيري- إلى طلبنا من الولد أكثر مما يستطيع، ونبدأ لا شعوريا في إملاء نظرتنا على الخيارات التي يجب أن يتخذها وهي ليست بالكثيرة.

نضغَط على أبنائنا مفترضين أنهم يعلمون دوافعنا، ويرون مِقدار محبَّتنا لهم، وهو افتراض خاطئ في معظم الأحيان. الحقيقة أنَّ الابن بحاجة إلى أن يُخبره أبوه مرارًا وتكرارًا بأنه "يُحبه" لذاته، ويخبره بأنه لا يعني من قسوته عليه أي ازدراء.

هناك أمر في سيكولوجية الرجال، يمنعهم من البوح بعواطفهم؛ فلا تراهم يبكون إلا نادرًا، ولا يظهرون عواطفهم لأبنائهم إلا نزرًا يسيرًا.

يبدو أنَّ الصمت والخوف من إظهار العاطفة هو سبب لحلقة مفرغة من توالي رفض الأبناء أن يصبحوا مثل آبائهم الصامتين، وسبب رفض أبنائهم أن يصبحوا مثلهم عندما يصبحون آباء أيضا.

سلسلة الصَّمت، ورفض إظهار العاطفة، تجعل الرجال تائهين، لا يستطيعون كسر الحلقة المفرغة التي احتُجِزوا فيها.

تعليق عبر الفيس بوك