جمال الكندي
عمر أبو ليلي شاب فلسطيني حيّر سلطات الكيان الصهيوني، ودوائر استخباراتها، هذه الحيرة بكل بساطة بسبب أنّ منفذ عملية "سلفيت" أبو ليلي هو من الشارع الفلسطيني البسيط، بمعنى الذي لا ينتمي إلى الخارطة الفصائلية الفلسطينية - إن صح التعبير- هو مواطن لم تلونه أعلام الفصائل الفلسطينية المختلفة، مواطن تربى على أنّ العدو الصهيوني مغتصب لفلسطين، ولابد له في يوم من الأيام أن يرحل، وكيف يرحل، هل بالمفاوضات فقط؟ أم توجد وسيلة أخرى تؤلم هذا العدو، وتظهر له الجانب الذي لا يريد أن يراه في عامة الشعب الفلسطيني.
من هنا جاءت عملية الشهيد "عمر أبو ليلي لتعبر عن صرخة الفلسطيني المكبوت، والمظلوم، والمسلوب حقوقه وإرادته، فلا شيء يخسره بعد تقطيع بلاده إلى كانتونات متفرقة لإرضاء قطعان المستوطنين الصهاينة. فأبو ليلي بهذه العملية ذهب وهو يعلم بأنّه سيستشهد، ولكنّه أراد قبل استشهاده، توقيع بصمة شاب فلسطيني لا يرضى أن يعيش تحت مذلة الاحتلال، وأمثال أبي ليلي اليوم في الشارع الفلسطيني هم الكثرة الغالبة، وهذا هو أكبر تحدي تواجه إسرائيل.
إنّ ما يرعب العدو الصهيوني هو مثل هذه العملية، وقبلها من عمليات نفذت ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي وقطعان المستوطنين، فهي تصدر من شباب غير متمرس في حمل السلاح والدراية العسكرية، وهذا ما يقلق من يريدون إنهاء القضية الفلسطينية بحلول ترضي إسرائيل فقط.
عملية الشاب "عمر أبو ليلي" وجهت رسائل عدة للكيان الصهيوني والداخل الفلسطيني ولها أبعدها السياسية والعسكرية، فهي مثلت انتكاسة كبرى للأمن الإسرائيلي، وجبن وخوف من شاب غير متدرب على حمل السلاح خطف سلاح جندي إسرائيلي ونفذ عملية بطولية بكل عفوية من دون تخطيط مسبق، هذا النموذج تكرر سابقاً وربما يتكرر في المستقبل ويكون نواة جديدة لانتفاضة ثالثة عنوانها الدم بالدم إلى أن تتحرر الأرض.
هذا يعني أنّ الخوف ليس من الفصائل الفلسطينية ذات المنحى الجهادي والنضالي فقط، بل من المجهول، هذا المجهول تمثل بعملية عمر أبو ليلي الأخيرة، فلا تقدر استخبارات العدو الصهيوني تحليل بيئته العسكرية كما تفعل ضد فصائل المقاومة الفلسطينية، فهي هنا تقف عنده عاجزةً لأنها عملية تخرج من عمق الشعب الفلسطيني، وأمثال الشهيد عمر أبو ليلي كثر، وهذا الأمر هو الذي يربك الصف السياسي والأمني الإسرائيلي.
هذه أهم رسالة قدمتها عملية "أبو ليلي"، فهي ستعيد رسم خارطة مواجهة العدو الصهيوني، وهي كذلك إعلان رفض عملي لما يسمى بـ"صفقة القرن".
عملية أبو ليلي لها رسائل أخرى نقرأها متمثلة في الطابور الخامس، عملاء الداخل، فهم من دل الإسرائيليين على مكان هذا الشاب البطل، هؤلاء العملاء هم دائماً من يضربون الجسم المقاوم الفلسطيني بمقتل كما يقال، وهذه هي الورقة الناجحة التي مازالت بيد الكيان الصهيوني، وتلعب بها بكل حرفية، ولا ننسى بأنّ هنالك قادة كبارا من أمثال الشيخ المجاهد "أحمد ياسين" تمّ اغتيالهم بمساعدة الطابور الخامس.
الجيش الإسرائيلي استخدم كل التقنيات لمعرفة مكان الشهيد، وجند العملاء والجواسيس لذلك، وكان خوفه بأن يبقى منفذ العملية متخفياً ويتكرر نموذج منفذ عملية "نعالوة" الذي أستطاع أن يختفي عن الأنظار لمدة شهرين، وهذا الأمر يؤدي لأثمان سياسية وأمنية سيدفعها "نتينياهو" في العملية الانتخابية القادمة لو تأخر القبض على عمر أبو ليلي أو اغتياله.
عملية "أبو ليلي" أوجدت علامات استفهام إسرائيلية تنتظر الجواب، وهي: كيف نجح هذا الشاب في الانسحاب من مكان العملية؟ وأين كان متخفيا مدة الأيام الثلاثة؟ ومن كان يساعده وهو لا ينتمي إلى أي فصيل فلسطيني؟
الجواب ببساطة، وهي الرسالة الأخيرة من هذه العملية بأنّ هنالك بيئة فلسطينية حاضنة لا تنتمي لهذه التيار أو ذاك، تحمل أجندة فلسطينية وطنية خالصةً لا تلبس لباساً أيدلوجياً معيناً، عانت وتعاني من هذا الاحتلال، وربت أبنائها على حب الوطن والتضحية بالغالي والنفيس من أجله.
صحيح أنّ هنالك عملاء في الداخل، ولكن الأكيد بأنّهم قلة قليلة في بحر من الوطنية الفلسطينية التي تضحي من أجل فلسطين، الذي ساعد هذا البطل هو الفلسطيني البسيط الذي لا يرضى بوجود المحتل الإسرائيلي مهما تراكمت سنوات احتلاله، ومحاولته جعل ذلك واقعاً نتعود عليه ونعود جيل أبى ليلي أن ينسى بأن هنالك أرضا محتلة اسمها فلسطين، ومحتلا اسمه الكيان الصهيوني، لابد من محاربته بكل الطرق لإرجاع الحق المسلوب.
هذا الأمر هو ما يخيف إسرائيل، ومن معها في إمكانية بروز نواة جديدة قابلة للنمو تكون مقدمة للانتفاضة الفلسطينية الثالثة، والتي لن تحمل الحجارة هذه المرة بل ستتعداها بأدوات أخرى تعرفها إسرائيل جيداً.