الكاريزما السياسية.. يوسف بن علوي نموذجًا

عبدالله العجمي

لو مَرَرنا على النِّقاط التي تناولها معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي بن عبدالله في محاضرته الأخيرة، عبر خِطابٍ ثقافيٍّ هادئ يُؤصّل لدور السلطنة السياسي، على المستوى الإقليمي والدولي، لوَجدناه تناول جُلّ ما يتعلّق بهذا الدور خليجيًّا وعربيًّا وعالميًّا، وبدا واضحًا لكلِّ من تَابعه أن المبادئ التي تنطلقُ منها السياسة العُمانية ثابتة، وتنتهج مذهبًا فكريًّا فريدًا من نوعه في هذا العصر. وقد كان طرحُه بعيدًا كل البُعد عن السفسطة والمناورة والتلاعب بالألفاظ ومحاولة التهرُّب من الأسئلة بأجوبة مموَّهة كما يفعلُ الكثيرُ من السَّاسَة في عصرنا هذا.. ويُلاحظ أنَّ بن علوي كان يُخَاطِب العقلَ قبل الوجدَان، ولم يخلُ حديثُه من اتِّقادٍ ولغةٍ معاصرةٍ مُنفتحة على ذهنيَّةٍ واقعيَّة لهذا الجيل، آخذاً بالحسبان التطلّعات والأوضاع التي تصبُو إليها شعوب المنطقة على حدٍّ سواء.

السَّلام الداخلي الذي يتمتَّع به هذا السياسي المحنّك كان ظاهراً في أريحيتهِ في الطرح، وعدم انفعاله من كل الأسئلة التي طُرِحَت عليه لاحقاً. وهو بالتأكيدُ انعكاسٌ -أو بالأحرى تأثير- للسَّلام الخارجي الذي تعيشه السَّلطنة مع العالم؛ فَلا هِي تتَّبع "أجندات خفيّة" ولا أطماع لَها لتَلْهَث خلفَها، وقد قدَّم دليلاً حيًّا على كلامِه بأنَّ السلطنة لا تُوَاجِه أيَّ خُصُومات مع أحَد، وهذا في حدِّ ذاتِه يعكسُ الشفافِية والصِّدق اللذيْن تتعامل بهما السلطنة مع الغير.

وقد تَنَاول القضيَّة الفلسطينيَّة بإسهاب، وطَمْأن الجميع بأنَّه لن تكون هُنالك أي أجندات خفيَّة في هذا الملف.. ولن تعبُر أي مفاوضات إلا عبر عُنق زجاجة، وهو إنشاء "الدولة الفلسطينية" أولا؛ فعُمان لا تبيع ولا تشتري في القضية الفلسطينية، وهذا من الخطوط الحُمر التي يعلمها الطرفان.

وفي رِسَالة قويَّة وهادِئة وجهَّها للقريب قبل الغريب بأنْ يَجِب أن يعلم الجميع أنَّ المسار الذي تنتهجه السلطنة لن يضرّ أحدًا بشيء، ولن نشكل تهديداً لأحد، ولن نَكُون في يومٍ ما خطراً على أحد؛ لأنَّ مسار السياسة العُمانية -منذ فجر النهضة- قائمٌ على الشفافية والمصداقية في التعامُل مع الكلِّ على حدٍّ سواء، وعدم الانغماس في أي أجندات خفية.

حتَّى الابتسامَة التي أطلقها حين سُئِل عن الخليَّة الأخيرة، جاءتْ كردٍّ بليغٍ ليُخبرنا بأنَّ الردَّ بهكذا هُدوء أشدّ فتكاً من الردِّ بعصبيَّة وتشنُّج. وفي ذلك إشارة واضحة على أنَّ القويَّ هو من يلطف على الضعيف، وربما كانت هذه الابتسامة، وهذا الرد على السؤال، أكثر وجعاً من أي كلمة أخرى، ورُبَّ تلميحٍ أبلغ من تصريح.