التعلم المستند للدماغ.. (الخرائط الذهنية وكيفية توظيفها)

...
...
...


د. إيثار عبد المحسن المياحي | العراق
 
مسؤولة الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي في كلية التربية – جامعة الكوفة

بســـــم الله الرحــمن الرحيــــم ( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، وققد يسال البعض ما الفائدة من مثل هذا الموضوع بالنسبة لحفظ آيات القران الكريم والجواب على ذلك بان المعرفة المجملة بتشريح الدماغ والعمليات التي تجري فيه تساعد في فهم المعلومات التي سوف ترد ذكرها في الموضوع . وبما ان الدماغ يعتبر هو مكان التعلم عند الإنسان وبالتالي من الضروري أن يتعرف المعلمون و المتعلمون إلى تركيب هذا الدماغ وعمله واستراتيجيات توظيفه.
يخاطب القرآن الكريم الإنسان بوصفه كائنا عاقلا ومتميزاً عن غيره من المخلوقات ولم يعرف القرآن الكريم العقل بذاته؛ بل عرفه بصفاته ووظائفه التي يقوم بها مثل التعقل والتبصر والتدبر ونحو ذلك من وظائف العقل.
يتكون دماغ الإنسان في معظمه من الماء (78%) والدهون (10%) والبروتين (8%) ويعتبر دماغ الإنسان طريا جدا, ويتكون من أربعة أجزاء أساسية وهي المخ, والمخيخ, والجذع, والدماغ الأوسط .
وأظهرت نتائج الدراسات العلمية والنفسية أن الدماغ هو قاعدة العقل ومحوره الأساسي، ومن ثم فإن الدماغ هو مناط السلوك الإنساني ومصدره حيث يؤثر ويتأثر بالمعرفة الإنسانية باعتباره أساس النشاط العقلي المعرفي، وهو منقسم إلى نصفين كرويين الأيسر والأيمن تغطيهما القشرة المخية، ومع إن النصفين كرويين متماثلين تماماً، إلا أن الأداء الوظيفي لكل منهما مختلف، حيث يختص النصف الأيسر ببعض أنواع النشاط، كما يختص النصف الأيمن بأنواع أخرى من النشاط كما أنهما يتكاملان في العديد من الأنشطة ويتصل نصفا الدماغ ببعضيهما البعض من الداخل بواسطة حزمة كبيرة من الألياف المستعرضة البيضاء تمثل الأخدود العميق الذي يفصل بين نصفي الدماغ دون أن يكون هناك مانعاً للاتصال بينهما  )تسمى بالجسم الجاسئ).
إن دماغ الإنسان يستطيع أن يقوم بعمل مالا تستطيعه أشرطة التسجيل والفيديو والشرائح وغيرها على الرغم من التكاليف المادية الكبيرة لتلك الأدوات و الأجهزة و سهولة استخدام العقل في إيجاد التفسيرات والتحليلات اللازمة لفهم واستيعاب العلاقات المتداخلة في موضوع ما.
وينطوي دماغ الإنسان على مساحة كبيرة غير مستخدمة في منطقة القشرة المخية, وهذا ما يعطي البشر مرونة غير عادية للتعلم, فالقشرة المخية هي التي تمثل مركز التفكير, وهي ترتب ما يأتيها من طريق الحواس وتفهمه, وهي التي تضيف للشعور التفكير وتسمح لنا بأن ننتقل بالأفكار, والرموز, والخيال, ....إلخ.

نشأت التعلم المستند الى الدماغ:
اهتم علماء النفس بالوظائف و القدرات العقلية (التعلم والتذكر و التفكير) واهتم علماء الأعصاب بكيفية تطور الدماغ و آلية عمله وبالتالي تطور نماذج خاصة به, أما التربويون فقد حرصوا على تطوير نماذج تربوية تستند إلى الفلسفات والنظريات النفسية والظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة في كل مرحلة, وفي منتصف القرن العشرين بدأ علماء الأعصاب  وعلماء النفس يتحدثون مع بعضهم بعضا لربط ما يفهمه كل منهم عن العقل البشري, واستنادا إلى هذا التعاون بين هذه المجالات وتسارع المعلومات في ميدان بحوث الدماغ فقد بدأ نظام تربوي جديد من نهاية الألفية الثانية يستند إلى التعلم المتناغم أو التعلم المستند إلى الدماغ (Brain-based learning), وتعد (ليزي هارت) من أوائل من كتب حول الدماغ من وجهة نظر تربوية, حيث ابتكرت مصطلح (متناغم مع الدماغ) ليدل على التعليم المصمم لتكييف المواقف المدرسية والتدريس من طبيعة الدماغ, وذلك أفضل بكثير من محاولة إجبار الدماغ على الخضوع لترتيبات صممت مسبقا بدون أي مراعاة لهذا العضو وكيفية أدائه بشكل أفضل.

خصائص التعلم المستند إلى الدماغ:
1- نظام في حد ذاته و ليس تعاليم مقدسة.
2- طريقة طبيعية وايجابية لتعظيم القدرة على التعليم والتعلم.
3- فهم التعلم المستند للدماغ الى تركيب الدماغ و وظيفته.
إن من أساسيات انتقال المعلومات في الدماغ هوان الخلايا العصبية وهي الخلايا الأساسية للتعلم والتذكر, وهي التي تجعل الدماغ عضو التعلم والتفكير, وهذه الخلايا تستلم المعلومات من الأعضاء الحسية ثم تنتقل هذه المعلومات إلى الخلايا العصبية الأخرى بينما بقية الخلايا تنقل المعلومات إلى أجزاء الجسم الذي سوف يتفاعل مع بيئته, وتكون هذه الخلايا العصبية على عدة أشكال وأحجام, منها صغيرة (4ميكورن), وكبيرة (100ميكورن) وتكون حوالي10% من خلايا الدماغ, والباقي خلايا غير عصبية (خلايا غروية) وهي مسؤولة عن معالجة المعلومات ونقل الإشارات فيما بينها.
وتتألف الخلية العصبية من جزئيين: جزء يسمى الشجيرات يكون على شكل تشعبي وجزء آخر طويل يسمى بالمحور العصبي.
إن أغلبية المعلومات تنتقل من خلال الأشواك في نهاية الشجيرات في منطقة تسمى المشبك العصبي حيث إن أعداد المشابك العصبية في مرحلة الطفولة تكون أكثر خلال الست أشهر الأولى مما عليه في مرحلة البلوغ لذلك يكون التعلم عند الأطفال أسرع من الأعمار المتقدمة.
 
النموذج الكلي لوظائف الدماغ ولهذا النموذج أربعة أبعاد وهي:
1-    البعد المحيطي العام:  يقوم على أساس أن السلوك وتعديله لابد أن يأخذ في اعتباره درجة الكفاءة التي يعمل بها الدماغ على أنه مجهز ومعالج عملاق للمعلومات الخام التي تدخل إليه.

2-    البعد الرأسي: يقوم على أساس التكوين التشريحي للدماغ وفي ضوء نتائج الدراسات السيكوفسيولوجية والنيوروفسيولوجية والأكثروفسيولوجي والانثروبولوجيا الاجتماعية، فالتناول الرأسي لوظائف الدماغ ينظر إلى العلاقة بين تاريخ الإنسان كنوع  Phylogeny  وتاريخ حياته كفرد Ontogeny .


3-     البعد الأمام – الخلفي: يشير إلى السيطرة الأمامية في مقابل السيطرة الخلفية بشأن تجهيز المعلومات من خلال منظومة تقاطعية.

4-    البعد الأفقي: يمثل سيطرة نصف الدماغ الأيمن مقابل سيطرة نصف الدماغ الأيسر.


التطبيقات التربوية لنظرية التعلّم القائم على الدماغ:
إن من التطبيقات التربوية لنظرية التعلّم القائم على الدماغ هي أن افتراضات الأبحاث الحديثة تشير إلى أن التعليم يقترح الدماغ يؤدي العديد من الوظائف بشكل متزامن, ويتم تعزيز التعلّم من خلال بيئة غنية بمثيرات متنوعة المحتوى الحالي من خلال تنوع استراتيجيات التعليم، مثل، التفاعل مع المجموعة، والأنشطة الفنية، والنشاطات الموسيقية تسهم جميعاً في زيادة خبرات الطلبة في التعلم يشترك كامل أجزاء الجسم. كما إن النمو الجسمي والاسترخاء الشخصي والحالة العاطفية تؤثر جميعاً على قدرة المتعلّم على التعلّم. و يجب الوعي بأن الأطفال يكون نضجهم كاملاً بمعدلات مختلفة. كما أن العمر الزمني ربما لا يعكس استعدادات أحد الطلبة للتعلّم . وكذلك يجب دمج مواصفات الصحة (التعامل مع التوتر ، التغذية ...إلخ) في عمليات التعلّم.
إن عملية البحث عن المعنى تعتبر فطرية، كما أن الفضول الطبيعي يمكن أن يشركه في تحديات معقدة ذات فائدة مثل استغلال الدروس والنشاطات الحالية التي تثير عمليات بحث الدماغ عن المعاني.
ان الدماغ مصمم لإدراك وتوليد الأنماط و المعلومات الحالية في المحتوى (علم الحياة الحقيقي - الهادف) تجعل المتعلّم قادر على تحديد الأنماط وربطها بالخبرات السابقة ولا يمكن فصل العواطف عند التعلّم, اذ تعتبر العواطف ضرورية لتخزين واستدعاء المعلومات التي تساعد على بناء بيئة صفية تعمل على تنمية السلوكيات الإيجابية ما بين الطلبة والمعلّمين وحول أعمالهم وتشجيع الطلبة كي يتعرفوا على مشاعرهم وكيفية تأثير المناخ العاطفي على تعلّمهم, ويستطيع كل دماغ إدراك وتوليد الجزئيات والكليات بنفس الوقت وإن تصميم النشاطات تتطلب تفاعلاً عقلياً كاملاً ودرجة عالية من الاتصال, والتعلّم يتضمن كلاً من الانتباه المركز والإدراك الجانبي وأهمية الملصقات والأعمال الفنية ولوحات الإعلانات والموسيقى كذلك الوعي بأن حماس المعلم والنمذجة تمثلان إشارات هامة حول قيمة ما يجرى تعلّمه, كذلك من التطبيقات إن التعلّم يتضمن حالة الوعي واللاوعي - استخدام السقالات المعرفية أو غيرها من الأساليب التي تثير الدافعية لتشجيع الاتصالات الشخصية, وأيضا من التطبيقات الأخرى هو تشجيع المعالجة النشطة من خلال التأمل والعمليات ما وراء المعرفية لمساعدة الطلبة على مراجعة تعلّمهم وإن كل دماغ يعتبر حالة فريدة, كما إن بنية الدماغ تتغير فعلياً من خلال عملية التعلّم وأيضا استخدام استراتيجيات تعليم متنوعة لجذب اهتمامات المتعلّمين وإعطاء الفرصة للطلبة بالتعبير عن رغباتهم المختلفة والمتنوعة.
ويكون فهم الدماغ أفضل عندما تتجسد الحقائق والمهارات في الذاكرة الطبيعية                   (التخيلية) واستخدام أساليب تولد وتمثل خبرات وتجارب من عالم الواقع واستخدام الحواس المختلفة بحيث تكون الأنشطة تشتمل العروض،والمشاريع، وتكامل مجالات المحتوى التي تجسد الأفكار داخل الخبرة المتميزة.

التطبيقات التعليمية اعتماداً على نظرية التعلّم القائم على الدماغ هي:-
جذب انتباه الدماغ والغرض من الانتباه هو تعزيز البقاء وإطالة الحالات السعيدة. فقد كشفت الأبحاث أن أجهزة الانتباه تقع في جميع أجزاء الدماغ وأن الاختلاف في المنبهات كالحركة والأصوات والمشاعر أوالانفعالات (كالتهديد) تستحوذ على معظم انتباهنا وإن المواد الكيماوية تلعب الدور الأهم في الانتباه, وإن الجينات الوراثية قد يكون لها أيضاً علاقة بالانتباه.
نلاحظ من ذلك إن قابلية الدماغ للانتباه تتأثر كثيراً بالتحفيز أو التذكير؛ فنحن نرى شيئاً على الأرجح إذا ما طلب منا أن نبحث عنه أو إذا ذُكِّرنا بمكانه. والنقطة الأساسية هي أنه يتعين على المعلّمين أن يشجعوا "وقت المعالجة الشخصية بعد التعلّم الجديد لكي تترسخ المادة" والبعد عن حشو المعلومات في كل دقيقة.

بعض النماذج من استراتيجيات التعلم المستند إلى الدماغ هي :-
1-    استراتيجية عصف الدماغ.
2-    استراتيجية التسريع المعرفي.
3-    استراتيجية الخطوات السبع.
4-    استراتيجية التدريس التبادلي.
5-    استراتيجية الخرائط الذهنية.
وبالنسبة لاستراتيجية الخرائط الذهنية تعتبر وسيلة تساعد على التخطيط والتعلم والتفكير والبناء, وهي تعتمد على الرسم وكتابة كل ما تريده على ورقة واحدة بطريقة مرتبة تساعد على التركيز والتذكر بحيث تجمع بين الجانب الكتابي المختصر بكلمات معدودة مع الجانب الرسمي, مما يساعد على ربط الشيء المراد تذكره برسمة معينة. ويقوم المتعلم بتنظيم ما هو مكتوب ليسهل على العقل استيعابه وتذكرها, وإنها وسيلة يستخدمها الدماغ لتنظيم الأفكار وصياغتها بشكل يسمح بتدفق الأفكار ويفتح الطريق واسعا أمام التفكير الإشعاعي, أي انتشار الأفكار من المركز إلى كل الاتجاهات وتمثل الأسلوب الذي يستخدم جميع أجزاء المخ بدل التفكير الخطي التقليدي فهي تأخذك في كل الاتجاهات وتلتقط الأفكار من أية زاوية.
إن من مميزات الخريطة الذهنية أنها تنمي الفهم للمعلومات وينتج التعلم قائم على الفهم, وتعمل على إثارة الدافعية للون والتنظيم وهي تمثل خريطة تفكير إبداعية وتتميز بأنها عملية تحويل ذهني إلى صورة محببة وكذلك توظف جوانب شخصية محببة.

أهداف بناء الخرائط الذهنية:
1)    الاحتفاظ بالتعلم .
2)    الاستيعاب.
3)    تنمية الابداع .
4)    المتعة و التغير.
5)    التكامل والفنون.
6)    قوة التركيز .
7)    تنظيم وترتيب الافكار والمعلومات.
8)    ربط الدماغ .
9)    اندماج المتعلمين بفاعلية في العملية
10)    مراعاة انماط التعلم المختلفة.
11)    إضفاء مسحة شخصية على الخارطة عند تصميمها من قبل المتعلمين.
12)    تتيح فرصة للمعلم لكي يلاحظ طلبته أثناء عملية التعلم واستيعابهم للمفاهيم
         العلمية.
13)    تنمية الذكاءات.


خطوات الخرائط الذهنية:
1)    ابدأ بصورة ملونة من المركز, تنمي الفكر الإبداعي وتزيد من كفاءة الذاكرة.
2)    قم بتوزيع الصور في كل جزء من الخريطة الذهنية
3)    لابد من كتابة الألفاظ حيث تضفي اللفظ المكتوب بعض السمات وذلك عند إعادة قراءتها.
4)    توضع الألفاظ المكتوبة في سطور ويجب اتصال كل سطر بالآخر وذلك لضمان وجود بنية أساسية للخريط الذهنية.
5)    يجب وضع الألفاظ على هيئة وحدات او بالأحرى وضع لفظة في كل سطر مما يوفر لكل لفظة مجموعة أكبر من الدلالات .
6)    استخدام الألوان في الخريطة الذهنية على الذاكرة وتحفز وظائف اللحاء الأيمن للدماغ.

أدوات الخريطة الذهنية:
1)    الأسهم.
2)    الرموز.
3)    الأشكال الهندسية.
4)    الأشكال الزخرفية.
5)    الألوان.

 

 

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك