قصة قصيرة: عزة نفس


أشرف الخضري | مصر
 خلع جلبابه أمام الجميع، نزع سراوله الداخلي، اندفع إلى الماء، شهق مرة واحدة ، ألقى ملابسه فى المركب وبدأ يدفعه من الشاطيء إلى الماء دون مساعدة من أحد. أخذ يلهث ويدفع بكل قواه لتحريك المركب المستميت على الرمل، ونحن ننظر إليه دون أن نحاول مساعدته خوفا من الفتق والبلل، جرب مرات عديدة وفشل في تحرير المركب من الرمال، عندها تغير لونه وبرزت عروق رقبته وبدأ السب والشتائم، رحم الله الرجولة، ليس بينكم رجل رضع النخوة من صدر أمه؟ شوارب على رجال أم نساء؟
لم يتجرأ أحد منا أن يرد عليه، رغم زفارة لسانه الطويل جرت الدموع من عيني، خلعت حذائي وتبعني شابان، عندما طلع المد ازداد منسوب المياه حول القارب شبرين تقريبا، بدأنا ندفع القارب وعندما انزلق وأصبح فى الماء هتفنا بأنفاس مقطوعة الحمد لله.
 قال لنا: شكرا يارجال، وارتدى الجلباب، عرض علينا أن نركب معه لإنزالنا على حجارة (محمدين) التي تجاوزها البحر وصنع وراءها بحيرة صغيرة بعمق مترين، قال اسمعوا الكلام وربنا سيكرمكم  كرما كبيرا، تردد الشابان وركبت معه،بدأ العرق يتفصد من وجهه في باكورة الصباح الندي مع تحريك المجاديف بكل قوة، الشمس لم تظهر، حبسها غمام (طوبة) الكثيف، سألني عن اسمي وتعارفنا، حكاياته الممتعة نقلتني إلى اليونان والفتيات الجميلات وليالي أثينا، مغامراته بلغت حد شراء طائرة بوينج خرجت من الخدمة!!  ملأ قلبي سعادة بأكاذيبه اللذيذة، أخرجت الأكل، وأجبرته على الإفطار معي رغم عزة نفسه التي وقفت حائلا بيننا عدة دقائق، حمد الله وناولته زجاجة الماء الباردة فشرب وبدأ البكاء كطفل مقهور، قال بالأمس: وأنا أرفع المركب وأجرها على الرمال، بمساعدة صياد زميلنا يده عاجزة، وبعد أن جمعت رزق الأمس، ليس شيئا كثيرا، (بورى ولوت) والقليل من سمك موسى، قلت: ما شاء الله
قال: صل على النبي!
 قلت: عليه الصلاة والسلام.
 قال: فوجئت بثعبان أسود كبير بين قدمي!
 قفزت مرعوبا واعتليت المركب ونظرت إليه، هل تعرف ماذا كان؟ قلت: لا ، ضحك ثم اغتم وقال: (فردة كاوتش موتوسيكل جوانية)، واستغرق فى البكاء بحرقة.
 قلت: اهدأ ياحاج سيد وحد الله.
 قال: لا إله إلا  الله .
تمخط وجعل كم جلبابه منديلا وأكمل الكلام: دخلت على زوجتي البيت والدنيا لا تسعني من الفرحة قلت لها: ربنا فك الكرب وفرجت والحال سيتغير، وعندما رأت فردة الكاوتش وأكياس البودرة، قالت: حد الله بيني وبينك لو أدخلت علينا قرشا ليس من عرق جبينك.
- نحسها نحس ذكر-
 الهيروين ظل فى الكاوتش سنوات طويلة فى قاع البحر حتى تسرب الماء المالح إليه وبردت حدته وأثره، ولما تحررت الفردة من الحجر المربوط معها، قذفها البحر حتى قدمي، وعندما أخذت كيس بودرة ل على سرنجة العجلاتي خبير الأفيون والبودرة قال لي:  ليس لديك حظ أنت منحوس!
كشف على كل الأكياس وقال: لا يوجد أمل !
بودرة باردة كأنها بودرة ثوم!
طيبت خاطره قائلا: ربنا يغنيك بالحلال يا عم السيد، قال: انزل على مهلك ربنا يرزقك، معك جمبري أبيض؟
قلت: نعم (أبيض وسركوس وجلخ)
قال: ركز طعومك على الجمبري الأبيض الحي، سمك القاروص يفضله ولا يأكل (الجلخ) القاسي الخشن!
تركني على الأحجار فى وسط البحر وانصرف ساعيا على رزقه وأشار لي مودعا، وقال: سأعود إليك قبل العاشرة، وغاب عن مرمى بصري!
 قلت لنفسي: ما هذا الغباء أنا لا أعرف السباحة والرجل الغريب أخذ المركب وابتعد فى العميق!
ماذا لو مات أو غرق أو نسيني؟!
طردت وساوسي وشجعني وفرة القاروص فى سنانير الصيادين على حجارة الشاطيء.
انشغلت ومضت ساعة بعد أخرى وأنا أصطاد، لم أعد أسمع أصوات الصيادين من خلفي، دب الهلع فى قلبي ونظرت ورائي فلم يعد فى البحر إلا أنا، نظرت أمامي ويميني وشمالي، كانت السماء غائمة والشمس مختنقة والبحر ليس له نهاية والمطر المحتبس تدفعه الرياح من آخر الأفق ويتقدم نحوي ببطء.

 

تعليق عبر الفيس بوك