رحلة البحث عن فكرة

 

 

رحمة بنت صالح الهدابية

 

يختلف الناس  ويتفاوتون فيما بينهم في قدرتهم على الإيمان المطلق بالمبادئ والأفكار والمعتقدات التي يختارون العيش من أجلها والتضحية بكل ما هو غالٍ ونفيس في سبيل عيشها وفق أطروحاتهم وتوجهاتهم المتباينة.

فجمال وروعة البحث عن فكرة ما هي أن نعيش ونضحي من أجلها لما له من بعدٍ آخر في الاستشعار العميق للغاية الأسمى والمعنى الحقيقي من وجودنا على هذه البسيطة.

فليس من يأخذ التفكير جُلّ وقته بالساعات الطويلة والأيام المتتالية والأشهر المتعاقبة بل وحتى بالسنوات المتراكمة باحثاً بكل عزم وإصرار عن فكرة يؤمن بها وينطلق من خلالها لأداء رسالته أو دوره المنوط به في هذه الحياة قبل أن يغادرها. وصبره وجلده غير آبه بملذات الحياة الفاتنة التي تحيط به من كل صوب مؤملا هذه النفس التي بين جنبيه عمَّا سيجنيه من نتائج رائعة وثمار وافرة عند وصوله لتلك الأفكار والمعتقدات التي لطالما آمن بها وعمل على تحقيقها بالشكل الذي يليق به وترجمتها بعد ذلك إلى واقع معاش وملموس.

وبين من جعل أفكاره وسيلة ومطية للتمتع بهذه الملذات وجمع أكبر قدر من الأموال فلا توجد هنالك قيم تردعه ولا مبادئ تضبطه.

فرحلة البحث عن فكرة بعينها أشبه برحلة اكتشاف المرء لذاته فهي شاقة وفي الآن نفسه شيقة لما تحفها الكثير من المخاطر والغموض جرّاء ما ستسفر عنه هذه الرحلة الغريبة من اقتناع وإيمان الشخص بفكرة بغض النظر إن كانت فكرة سوية لها آثارها الإيجابية أم خطيرة تلقي بظلال مخاطرها السلبية عليه وعلى محيطه.

فعندما ننظر إلى كل من عاش من أجل فكرته التي تبناها فإننا سندرك أنه واجه من المصاعب والعراقيل الشيء الكثير حتى استطاع أن ينتصر ويثبت جدارته في قدرته على تحقيق ما آمن به فأول هذه الصعوبات قد تكون أسرتك والمحيطين حولك فعدم إيمانهم بفكرتك واعتبارها شيئاً من وحي الخيال أو شيئا لا يستحق حتى التفكير به فضلا عن تحقيقه فهنا يأتي دورك في الصمود والثبات أمام سيل هذه الانتقادات اللاذعة في سعيك الدؤوب واجتهادك الدائم  لإثبات ما آمنت به وتبنيته بأنه يستحق منك كل هذا العناء والتعب وإيمانك الكامل والخالص به قبل غيرك لدرء آثار كل ما ستتعرض إليه من هجوم وسخرية واستهزاء من قبل البعض وأنت تحاول جاهدا لتحقيق ما تصبو إليه مرورا ببذل المزيد من الجهد لتحسين هذه الفكرة والعمل على تطوير جوانب ضعفها وصقل وإبراز  جوانب القوة فيها والحرص على مجالسة من تعتقد أنهم سيضيفون لفكرتك ما يجعلها أكثر رواجاً وإبداعاً بإضافة اللمسات التي تحتاج إليها فكرتك لتظهر بالشكل الذي ترمي للظهور به.

فالأسرة والمجتمع بمؤسساته المختلفة لهما دور بارز وكبير في بلورة أي فكرة في مسارها الصحيح أو العكس وذلك من خلال محاورة صاحب الفكرة ومناقشته حول ما تدور حوله فكرته وتناول مواطن ضعفها وقوتها بشكل واضح وصريح والأخد بيده إن تطلب الأمر لمساعدته على اختيار أفكار بديلة قابلة للتحقق ولا تتعارض مع مبادئ دينه وعادات وتقاليد مجتمعه وتوفير المناخ المناسب لها  ولكن إذا ما حدث العكس وتعرض هذا الشاب للإهمال والرفض القاطع لسماع أفكاره مهما كانت سوف يجعله متمسكًا بها وأكثر إصرارا  لتنفيذها حتى ولو لم ترق لمستوى التعلق بها والمباشرة في تنفيذها.

 

إن الإيمان بفكرة معينة آثارها لا تقتصر على صاحبها وإنما تمتد لتطول المجتمع بأكمله. فالمجتمع الواعي هو من يعمل على احتواء أبنائه الموهوبين لإبراز ما يتمتعون به من أفكار وقيم تسهم في رقيه إلى أعلى المستويات.