الحياة الجامعية

 

 

رحمة الهدابية

جميلة هي الحياة الجامعية بكل ما تحمل في طياتها من معانٍ وتفاصيل متناقضة؛ تجعلها أكثر ألقاً وتميزًا على غرار غيرها من حياة مختلفة في شكلها ومضمونها وفحواها.

فهي من جانب مُتعبة ومكلفة للوقت والجهد والمال بدءًا من الحرص الشديد على الالتزام بحضور المحاضرات كاملة وفي موعدها وعدم التَّغيب عنها قدر الإمكان، مروراً بإنجاز كل ما هو مطلوب من بحوث وأنشطة ومشاريع على أكمل وجه ومن دون أيّ نقص يُذكر انتهاءً بالتوتر والقلق النَّفسي الذي يعيشه الطلاب في السَّعي والمُثابرة للحصول على أعلى العلامات في الاختبارات التي يؤدونها وعلى النقيض الآخر وفي الآن نفسه هي حياة مفرحة ومبهجة من حيث التَّعرف على أصدقاء جُدد والتَّعرف والاطلاع على طبيعة ثقافاتهم وأفكارهم الجديدة والمُختلفة عن غيرها من ثقافات وأفكار الطلاب الآخرين ناهيك عن ذلك الشعور الجميل والمُفرح المصاحب بالإنجاز والراحة النفسية متمثلاً في التَّفوق الدراسي والحصول على أعلى المراكز المُتقدمة في المُسابقات والفعاليات على اختلاف أنواعها وطريقة إقامتها.

فهذه التناقضات والتباينات الجلية والواضحة التي يعيشها الطلاب في هذه المرحلة ستُساعده وبشكلٍ ما في تشكيل وتقوية شخصيته في المُستقبل على الرغم من أنّه سيُعاني منها في بادئ الأمر لعدم خوضه وتجربته مسبقًا في العيش في مثل هذه الضغوط والظروف المتناقضة ولكن مع مرور الأيام سيعتاد عليها ويصبح أكثر قدرة على التَّحكم في ضبط مشاعره وأحاسيسه نحو الضغوط والظروف الصعبة التي يمر بها لأنّه سيجرب أن يعيش المشاعر المُتناقضة المُختلفة في الوقت نفسه فسيعيش معاً شعور الحزن وشعور الفرح وشعور القلق وشعور الراحة والطمأنينة وبذلك سيكون إنساناً متزناً وصلباً لا تضعفه الضغوطات مهما بلغت صعوبتها وشدتها وسيكون أيضاً ذا مرونة عالية في التَّعامل مع ما يمر به بإيجابياته وسلبياته.

فالحياة الجامعية وكما يعلم الجميع من أهم مراحل الإنسان العمرية التي يمر بها في حياته ليس كما يعتقد البعض مهمة لاعتبارها مرحلة التَّحضير والاستعداد لمرحلة الدخول إلى سوق العمل والحصول على وظيفة مرموقة فلذلك يتوجب على هذا الطالب المسكين كنز وحفظ المزيد من المعلومات للاستفادة منها مستقبلاً وإنما هي مرحلة أبعد وأعمق من ذلك بكثير فهي تُعد مرحلة بداية النضج والفهم للحياة ومتطلباتها ففيها يبدأ منظور وفكر الإنسان يتشكل ويتبلور تجاه الحياة وتبدأ ملامح ومعالم شخصيته تتضح أكثر من السابق لاعتباره أصبح أكثر نضجًا وفهماً لما يحتاجه من هذه الحياة وقادرا على رسم وتحديد معالم حياته بالكيفية التي يريدها واتخاذ على إثر ذلك الكثير من القرارات المصيرية حيال ذلك.

لذلك نجد الكثير من المشاهير ممن التحقوا بهذه المؤسسة العلمية الأكاديمية قد تبلورت وتشكلت شخصياتهم وأفكارهم التي اعتنقوها فيما بعد في مُختلف مجالات الحياة _الصحية ،الدينية، السياسية، الأدبية، العسكرية_ في هذه المرحلة ونبوغهم أيضًا في تخصصاتهم بسبب احتكاكهم مع غيرهم من الطلاب ممن يحملون أفكاراً مختلفة سواء أكانت هذه الأفكار خاطئة وهدامة أم صحيحة على حدٍ سواء ولكن تفاعلهم المُباشر والعميق ساهم وبشكل كبير في صقل شخصياتهم وفكرهم نحو ما يعتنقون من أفكار، وساعدهم في ذلك أيضًا الانخراط داخل مجموعات وأحزاب لتفعيل ونشر هذه الأفكار التي يؤمنون بها إلى الآخرين وهذا بدوره أكسبهم الخبرة والمهارة في مُخاطبة الجماهير وإلقاء الخطب الحماسية والعمل تحت إطار الجماعة الواحدة وغيرها الكثير من المهارات التي اكتسبوها وتعلموها بفضل تواجدهم في هذه المؤسسة العلمية لذلك نجد الكثير من هؤلاء ممن تخرج في أية مؤسسة علمية أكاديمية قد تخرج قائدًا ورائدًا للفكر الذي اعتنقه.

لذلك ولكوني خريجة وقد فارقت مقاعد الدراسة حديثاً أحث جميع أخواني الطلبة على أن يعيشوا هذه المرحلة بكل تفاصيلها بحلوها ومرها مع استغلالها الاستغلال الأمثل الذي يعود عليهم بالنفع والفائدة وأن يبتعدوا عن التذمر والتأفف لأنّها سريعاً ما ستنقضي وسيفتقدون على إثرها أشياء بسيطة وجميلة ربما لن يعيشوها مرة أخرى في حياة مُختلفة أخرى ولن يعرفوا قيمتها إلا عندما تصبح ذكريات جميلة ترسم على محياهم الابتسامة كلما تذكروها. فكم هي عقولنا مُخزنة لكثير من المشاهد والذكريات الجميلة التي نتذكرها بين فترة وأخرى مُتمنين أن تكون لنا القدرة على أن نعيشها مرة أخرى لبساطتها وعفويتها لذلك عيشوا لحظات هذه المرحلة بكل بساطة وعفوية لتتركوا الأثر الجميل بعد أن تتخرجوا منها.