كفانا أمراض حتى تأتينا الغربان

د. عبدالله باحجاج

هُما نوعان من الغربان ويسميان: الغراب الهندي، وغراب المينا، وهما ليسا من الطيور المهاجرة، وإنما جاءت إلينا عن طريق السفن والبواخر، وهى ليست وليدة اليوم، وإنما ترجع إلى بداية عام 2000، وتُركت حتى أصبحت الآن ظاهرة لافتة، يمكن مشاهدتها بأعداد كبيرة وجماعية في المزارع والأخوار وعلى الشواطئ وحتى داخل المدن، ويقال إنها انتقلت إلى الجبال مؤخرا، مما يدفعنا لدق ناقوس الخطر على التوازن البيئي الطبيعي، وتنوع الحياة البيئية في بلادنا وكذلك على صحة الإنسان وحياته.

فهُمَا من الطيور المتوطِّنة أي غير المهاجرة، تُهَاجم الطيور المحلية، وتحاول القضاء عليها، وعلى أي تواجد لها: كأعشاشها وبيضها، وتستوطن مكانها كما تهاجم الحيوانات، وقد هاجمت عجولا بمنقارها الحاد حتى قضي على ذيولها، أي أنها عدوانية لم يسلم منها البشر خاصة الأطفال، ليصبح القلق مرتفعا على مستودع التنوع البيئي الذي تزخر به جبالنا من هذين النوعين من الغربان، وكلنا نعلم مدى اعتماد السياحة البيئية المتزايدة في ظفار على هذا التنوع الثري.

وبمجرد علمنا بهذه الظاهرة، سارعنا إلى تتبع تفاصيلها ميدانيا، ووجدنا هذين النوعين من أنواع الغربان، قد طردا طائر النورس من معظم شواطئنا، وانسحبت إلى داخل المدن، واختفت طيورنا الجميلة، وبرزت على السطح حشرات، ما كُنا نشاهد أعدادها الكبيرة كما هي الآن، فهل نقلق على مستودعنا البيئي الطبيعي بعد وصولهما إلى الجبال أم لا؟

ولما بحثنا عن خطورة هذين الغرابين على الثروة الحيوانية والطيور، وجدنا أنهما يتسببان في كثير من الأمراض المعدية، مثل النيوكسل والجداري والملاريا والكوكسيديا...إلخ، فهل لمثل هذه الأمراض من علاقة بظاهرة نفوق الحيوانات في ظفار؟ علما بأن وزارة الزراعة والثروة الحيوانية قد أرجعت النفوق في بيان سابق إلى مرض يسمى "حمى الثلاثة أيام" ومرض "الالتهاب الجلدي العقدي"، لكننا هنا نطرح احتمالات أخرى.

والأخطر كذلك أن الغراب الهندي وغراب المينا، ناقلان لمجموعة أمراض؛ مثلا ميكروب السالمونيلا الذي ينتقل من الغراب للإنسان عن طريق تلوث المياه والمأكولات عبر برازه وبوله، ويسبب مرض التيفويد.. وفق ما أفادنا به مختص في الفطريات، وهذا المرض يُحدِث تقيؤًا أو إسهالا أو إمساكًا ورجفة في الجسم، إلى جانب الهذيان والضعف وفقدان وزن والجفاف.

وهناك مجموعة ميكروبات ينقلانها كذلك نتيجة تلوث الغذاء والماء؛ لذلك يستهدفان دائما خزانات المياه فوق أسطح المنازل؛ مما يستوجب التأكد من إحكام غلقها، كما قد يتعرض الإنسان لها بعدة وسائل سهلة، مما يدعو فعلا للقلق، فظفار لا تنقصها أمراض حتى يأتي غراب الهند وغراب المينا لتزداد معاناة الإنسان فيها، وخارطة الأمراض فيها تزداد بصورة مقلقة سواء الأمراض القديمة منها أو الجديدة.

هل حالات الأمراض التي تظهر الآن بصورة مفاجئة وغريبة يرجع سببها لهذين الغرابين؟  كان يسود الاعتقاد الاجتماعي، أنه وراءها أمراض قد جاءت من اليمن الشقيق نتيجة حالة الحرب وتدهور نظامه الصحي، غير أننا ينبغي أن ندخل الآن تأثير هذين الغرابين ضمن الاحتمالات، خاصة وأن تواجدها في بلادنا له تاريخ طويل يرجع إلى بداية العام 2000، ولم يتم القضاء عليه.

سمعنا وتابعنا أنَّ جزيرة سُقطرى اليمينة أعلنتْ مُؤخرا أنَّها قضت على آخر طائر من هذين النوعين؛ فلماذا تعجَز بلادنا عن القضاء عليه، ما دام له مثل تلكم المخاطر على البيئة وعلى صحة الإنسان وحياته؟ 

لن تنقُصنا المؤسسات الإقليمية التي تُعنى بالبيئة، فما أكثرها. إذن، لماذا تركت هذين الغرابين يتكاثران ويزدادان وينتشران حتى وصلا للجبال؟ وهل تعجز عن توفير 200 ألف ريال حتى تظل صامتة طوال السنوات الماضية؟ مصادرنا أفادت بأنَّ هناك محاولات لتحصيل هذا المبلغ الصغير من الشركات، بينما ترى الشركات أنَّ هذا المبلغ يقع على عبء موازنة الدولة، على اعتبار أنها -أي الشركات- تدفع رسوما سنوية لتراخيص بيئية. وعند هذه الجدلية، يعيش هذان الغرابان في تكاثر وانتشار داخلي، ليس هذا فحسب، وإنما في استمرارية لدخول بلادنا عبر السفن والبواخر، فهل ننتظر كارثة بيئية لها تداعيات على الصحة البشرية وعلى تنوُّعنا البيئي الطبيعي؟

200 ألف ريال، ليس مبلغًا يُعجِز الحكومة، وينبغي توفيره فورًا؛ من أجل الإسراع في القضاء على هذين الغرابين العدوانيين. كذلك، ينبغي أن يكون خط دفاعنا ميناء صلالة، عبر تفعيل وتطوير مكتب البيئة فيه، كإقامة مختبر فيه، وفرض ضريبة بيئة على السفن والبواخر التي لا تتقيد بالشروط، وقضية القرد الأخيرة نموذج على ذلك، وكذلك ينبغي شن حملة توعوية لتجنب مخاطر هذه الظاهرة، فالصمت والسرية ليسا حلا لهذه الظاهرة.

نقولها بصوت عال، إنَّ كل الجهات في محافظة ظفار العامة والخاصة ينبغي أن تتعاون للقضاء على هذين الغرابين؛ لأن لدينا قلقا مرتفعا من أنهما قد يُشكلان بؤرة لكثير من الأمراض الخطيرة التي تؤثر على صحة الإنسان وتهددان حياته، كما يؤكد ذلك تقرير محلي استعنا به في هذا المقال. فهل من تحرُّك عاجل، أم سيكون الوضع كوضع ظاهرة الكلاب التي تهدِّد حياة الناس؟ وآخر ضحاياها شاب في إحدى ولايات البلاد.. ومؤسساتنا تتفرج؟!!!!!

من سيتدخل لتحريك هذا الملف عاجلا بعد أن تركت مؤسساتنا الغراب الهندي وغراب المينا يدخلان بلادنا، ويطردان طيورنا من أماكنها ليحلان مكانها، ويفتحان الآن مخاطر تأثيرهما على الصحة وعلى الثروة الحيوانية.