المواطنة الفاعلة.. وإعادة شحذ الهمم

 

د. سيف بن ناصر المعمري

أسوأ ما يمكن أن يمر على مجتمع من المجتمعات هو ضعف الشعور بالمواطنة الفاعلة التي تجعل الجميع متفرجين على الإشكاليات المختلفة التي تمر بها التنمية وخاصة الاقتصادية في بلدهم، وكأنّهم ينتظرون أن تمطر عليهم السماء التوفيق والحلول وهم متقاعسون ونائمون وحالمون بكل شيء إلا بواجباتهم ومسؤولياتهم وأدوارهم التي تقود إلى التقدم في حل ما يعترضهم من صعوبات.

علينا أن نتوقف للتفكير في حالة المواطنة والانتماء لا سيّما خلال هذه الفترة التي يجب أن تنبثق منها مواطنة مختلفة فيها بث للتحدي، وفيها تجييش للكفاءات والمواهب والخبرات الوطنية، وفيها تمكين للجميع ليقوم بدوره للخروج بمواطنة نموذجيّة واستثنائية تقدم مجتمعنا ومؤسساتنا كنموذج يشبه تلك النماذج العالمية التي مرّت بتحديات وخرجت منها متقدمة بفضل المواطنة الفاعلة لا بفضل الموارد فقط؛ الموارد لا تصنع مواطنة فاعلة وإلا لوجدنا مجتمعات ثرية من حولنا نموذجا لتجسيد قيم المواطنة الفاعلة التي يكون الحكم فيها مستندا للقانون، ويكون التفاضل في سلم الوطنية فيها بالأحقية والجدارة والعمل الصالح من أجل الوطن لا بالمكانة الاجتماعية والولاءات الشخصية، والمواطنة الفاعلة ليست خطابا مستهلاك يذاع في الصباح والمساء ولكن لا يجد من ينصت له ويتفاعل معه، وهي أيضا ليست تلك الأرقام التي تتلى كل يوم على مسامعنا عما تقوم به هذه المؤسسة وتلك، إنّما هي سجل لأرقام مختلفة تسجل لنا التضحيات التي تقدم للوطن، من قبل الجميع مسؤولين ومواطنين، هي سجل للأموال التي تعاد إلى خزائن الدولة والمجتمع، إلى الهبات التي تتقلص، إلى تنامي عدد الذين يجدون فرصا للعمل، إلى تنامي عدد الذين يحاسبون على ما ينالون بغير وجه حق من هذا الوطن.

المواطنة الفاعلة ليست وشاحا أو قلادة توضع على صدر هذا المسؤول وذاك إنّما هي تاج ناصع للتقدم والعدالة والمساواة يزين به أفراد الوطن جميعا، المواطنة الفاعلة هي مسؤولية الجميع في العمل والنضال من أجل وطنهم بأقصى ما يستطيعون بالرأي الموضوعي، وبالمشاركة الحقيقية بمستوياتها المختلفة الشخصية والوظيفية والمدنية، لكن إلى أيّ مدى نجد أنّ هناك تقبلا لممارسة المواطنة الفاعلة؟

هذا السؤال لابد أن نفكر فيه جميعا بحكم تفكيرنا في المستقبل، لأنّه لا يمكن أن نبني مستقبلا أفضل بدون مواطنة فاعلة أفضل، ولكن حين ننظر إلى ما يجري حولنا نجد أن فرص ممارسة المواطنة الفاعلة التي يحتاجها بلدنا اليوم ضيقة جدا. فعلى سبيل المثال؛ أولئك الشباب الذين يمارسون حقهم في حب وطنهم وحقهم في حرية التعبير، وحقهم في القلق على مستقبلهم بالمطالبة في إيجاد فرص عمل لهم تليق بمؤهلاتهم، وبمتطلبات الحياة يصورون بأنّهم يضغطون على وطنهم، وأولئك الشباب الذين يمارسون مواطنتهم الفاعلة من خلال انتقاد أداء المؤسسات وتقصيرها، وضعف تخطيطها، وبيروقراطيتها، وهدرها للكفاءات والأموال أحيانا، يُتهمون بأنهم يعيقون تنمية بلدهم ويشوهون واقعه. وأولئك الشباب الذين يريدون أن يؤسسوا أعمالهم ومؤسساتهم الصغيرة فيجدون تعقيدات لها أول وليس لها آخر، ويجدون احتكارات بمظلة قانونية، يُنعتون بأنهم لا صبر لهم، وأنهم مستعجلون رغم أنّ حقهم أن يحافظ على حقهم في أن يكونوا ويجدوا مكانا لهم، لكي ينموا ويكبروا ويكبر معهم النموذج العماني الشاب. وأولئك الكتاب الغيورون على أوضاع وطنهم الذين يكتبون بحرقة لا يعرفها الذين لم يتمكن الوطن من قلوبهم، يُصنفون بأنهم ضد الوطن!! رغم أنّ أي وطن لم يحيا إلا بالآراء الشجاعة التي تبث هنا وهناك لكي تتجلى الأشياء على حقيقتها، لا كما يصورها أولئك الذين تعودوا على قلب الحقائق. مثل هذه الأمثلة تؤكد لنا أنّ المواطنة الفاعلة هي نضال يومي لابد أن يلتزم به المواطن المخلص من أجل أن يظل هناك نبض وطني وحراك مسؤول لبناء جبهة مضادة لكل هذه السلبية؛ التي تواجه بها المواطنة المسؤولة من أجل تكريس واقع ووضع لن يستفيد من أي أحد.

نحن في مرحلة لابد أن نعمل فيها لتمكين المواطنة الفاعلة في مختلف القطاعات التي تجتاحها سلبية كبيرة، فالمواطنة الفاعلة هي الترياق لكل هذه الأمراض التي نراها في حياتنا العامة والمؤسساتية والتي لا تخفى على أحد، وعلينا أن لا نضيق ذرعا بصوت الشباب ومطالباتهم وأحلامهم لبلدهم بأن تكون دائما كما يريدونها، ونذكر أولئك الذين قضوا كثيرا من أماكن اتخاذ القرار أكثر من خمسين عاما أو أقل من ذلك بأنّكم كنتم شبابا وحملتم مثل هذه الأحلام، وضقتم يوما ذرعًا بإجهاض أحلامكم وحقوقكم فيفترض أن تكونوا اكثر تفهمًا اليوم لأوضاع الشباب وتفكيرهم، وثقوا أن تمكين هؤلاء الشباب من ممارسة المواطنة المسؤولة هو أفضل تحصين لهم وبلدهم ضد أي تحديات.. إنّ الشباب هم أمل كل مجتمع، وشحذ همهم الوطنية للخروج بالبلد من تحدياته المختلفة، سيكون أفضل من تركهم على قارعة الطريق يفكرون بتشاؤم في الغد.. انصتوا واقتربوا وتفهموا ومكّنوا هؤلاء الشباب من المشاركة في بناء وطنهم، وأزيلوا العقبات المختلفة التي ينشغل الشباب بها، أشغلوا الشباب بالعمل من أجل وطنهم، تكسبوا استدامة واستقرارا ورخاءً طويل المدى.