في احتفالات عيدها العالمي

 

عبيدلي العبيدلي

هرع العديد من قنوات الإعلام المحلية والدولية، والرسميّة والأهلية كي يحجز مقعده بين صفوف تلك المؤسسات التي سارعت لتخصيص برامج كي تشارك المرأة في الاحتفال بـ"يوم المرأة العالمي" المحدد في الثامن من مارس كل عام.

وليس هناك ما ينتقص من تلك الفعاليات التي صاحبت ذلك الاحتفال، والتي تشعّبت وأفاضت في التوقف عن واقع المرأة،  لكن ما ينبغي أن يؤخذ عليها، وعلى وجه التحديد العربية منها أنّ تغطية موادها الإعلامية لم تتجاوز مشهدين اثنين لا ثالث لهما:

الأول منهما، كان التركيز المفتعل، وغير المبرر، على إنجازات المرأة التي تحققت، أو بالأحرى التي انتزعتها المرأة عبر عقود من التضحيات الجسام، المصحوبة بدرجات عالية، لا محدودة، من المعاناة. ونجحت مقدمات تلك البرامج في إحضار مجموعة نسائية مختارة بعناية فائقة كي يظهرن تلك الإنجازات، وكأنّ الأمر قد أوصل المرأة إلى قمة طموحاتها، وإنّ الواقع النسائي لم يعد مطلوبًا منه أن يخطو خطوة أخرى نحو الأمام.

أمّا الثاني منهما، فقد حرصت مقدمات تلك البرامج الاحتفالية على تحويل المادة المعروضة إلى ساحة نواح متواصل خلال فترة الحلقة المخصصة للاحتفال بالمناسبة، توجت بما يشبه التوصيات التي بوسعها، فيما لو تحققت، أن توصل المرأة إلى تحقيق أحلامها في العدالة والمساواة، رغم أنها لم تتجاوز، في جوهرها توصيات سبق أن اتخذت في محافل دولية وعربية أخرى.

ولكي لا نتجنى على أحد، ليس هناك من في وسعه إنكار تلك الإنجازات التي حققتها المرأة على امتداد قرون من النضالات السلمية والعنيفة، كي تصل اليوم إلى ما وصلت إليه. لكنه، وبالمقابل، ليس من العدالة في شيء القبول بتلك الإنجازات، والترويج لها، وكأنّها لم تعد في حاجة إلى مراجعة من أجل تحقيق المزيد منها، كي نوصل المرأة إلى المكانة التي ينبغي أن يحلم بها - للمرأة - الرجال قبل السيدات. ويمكننا أن نكتفي بتلك المبادرات الدولية التي أخذت هذا المنحى، خلال النصف القرن الماضي، من أجل مواجهة أشكال التمييز كافة التي تعاني منها المرأة.

ففي العام 1979، "اعتمدت الجمعية العامة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي غالبًا ما توصف بأنّها الشرعة الدولية لحقوق المرأة. وتحدد الاتفاقية، في موادها الثلاثين، صراحة التمييز ضد المرأة وتضع برنامجا للعمل الوطني لإنهاء هذا التمييز. وتستهدف الاتفاقية الثقافة والتقاليد بوصفها قوى مؤثرة في تشكيل الأدوار بين الجنسين والعلاقات الأسرية، وهي أول معاهدة لحقوق الإنسان التي تؤكد على الحقوق الإنجابية للمرأة، (واتبعت ذلك وبعد أقل من عام فقط بعقد) المؤتمر العالمي الثاني المعني بالمرأة في كوبنهاغن في عام 1980. ودعا برنامج العمل الذي خرج به المؤتمر إلى اتخاذ تدابير وطنية أقوى لضمان ملكية المرأة على ممتلكاتها وسيطرتها عليه، فضلا عن إدخال تحسينات في مجال حقوق المرأة فيما يتعلق بالميراث وحضانة الأطفال وفقدان الجنسية، (وبعد أقل من خمس سنوات تم عقد ما اعتبر ولادة الحركة النسوية العالمية) ففي العام 1985، عقد المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة : المساواة والتنمية والسلام في نيروبي. وجاء انعقاد المؤتمر في وقت كانت الحركة من أجل المساواة بين الجنسين قد اكتسبت فيه اعترافا عالميا، (لكن النقلة النوعية الحقيقية جاءت في)،  المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة، الذي عقد في بكين في عام 1995. وأكد منهاج عمل بيجين حقوق المرأة وحقوق الإنسان والتزم باتخاذ إجراءات محددة لضمان احترام هذه الحقوق".

كل ذلك لا ينفي أنّ واقع المرأة، وفيما يخصنا نحن، واقع المرأة العربية، ما يزال، رغم الحديث عن كل تلك الفعاليات والالتزامات التي تبنى معظمها نسبة عالية من البلدان العربية، لم يرق إلى ما تستحقه المرأة من مكانة ينبغي أن تتبوأها.

ولو اكتفينا بالحديث عن الواقع الحقيقي للمرأة العربية، فسنجد في محتواه اعتراف صريح بما نشير إليه فقد أشار البيان الصادر عن منظمة المرأة العربية الصادر في مطلع هذا الشهر من العام 2019، إلى ذلك بالقول، " يحل الثامن من مارس على المرأة العربية هذه السنة وهي تعاصر الظروف الصعبة والتحولات الكبيرة التي تضرب المنطقة العربية جراء الحروب والنزاعات المسلحة والإرهاب. ويحضرنا بخاصة موضوع النساء والفتيات النازحات والمهجرات قسراً واللاجئات. كما وأنّه وبالرغم من الإنجازات والجهود التي بذلتها المرأة العربية جنبا إلى جنب مع الرجل لمواجهة التحديات وتحقيق تنمية مستدامة للمجتمعات العربية، غير أنّ وضعها لم يتغير بالقدر الكافي وكثيرًا ما تبقى أسيرة للصور النمطية لأدوار الجنسين، كذلك فإنّ مكتسبات المرأة، والتي جاءت بفعل نضال دام لعقود متلاحقة مازالت مهددة في أكثر من مكان، (وفيه دعوة محذرة من أنّه)، لا يجوز أن يكون الثامن من مارس مشهداً استعراضياً أو أن نختزله بالاحتفاليات بل علينا جميعا انتهاز هذا التاريخ من كل عام لإجراء جردة حساب وللتذكير بما علينا إعطاؤه الأولوية في نضالاتنا المقبلة".

إن ما تستحقه المرأة، وفي القلب منها المرأة العربية، هو ليس التوقف عن التعامل مع قضايا المرأة، كما يجري التعامل مع "ذوي الاحتياجات الخاصة"، فهي أولا وقبل كل شيء إنسان، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، ومن حقوق وواجبات على حد سواء. وما لم يجر التعامل معها على هذا الأساس، ومن المنطلقات التي يولدها هذا المفهوم تبقى الجهود مبتورة، والمبادرات ناقصة، ومن ثمّ حقوق المرأة التي يفرضها مفهوم تعبير "الإنسان" منتهكة.

ليس المقصود هنا الإفراط في الطموح، ومن ثمّ القفز على الكثير من الشروط التي تفرضها فروقات النوع الاجتماعي، لكنها تبقى في إطار ضيق لا تختلف في متطلباتها عن الكثير من الاختلافات البيولوجية التي تفرض نفسها حتى عند الحديث عن حقوق الرجل.

وما لم يتخلص المجتمع، من ذلك المدخل "الماضوي" الذي يصنف المرأة في خانة، ويضع الرجل في خانة أخرى، ستبقى حقوق المرأة مهضومة، وواجباتها مبتورة، والمجتمع الذي تنتمي إليه غير عادل بحقها. بل وبحقه هو، كمجتمع يدعي أن يبحث عن العدالة الحقة لمواطنيه من الجنسين، وفي طليعتهم المرأة.