"الشورى" وصناعة السياحة

 

سلطان الخروصي

 

تشكل السياحة رافداً مهما في بناء الاقتصاديات الوطنية في ظل تراجع القيمة السوقية للسلع التي طالما هيمنت على عروش الشرق الأوسط؛ إذ تبيَّن بعد حين الضعف الذي يعيشه اقتصادها المتشبِّث بخلود البترول وأخواته حتى بدأت تُشحذ لقمة المواطن؛ إذ أنَّ السلطة اليوم منوطة بدول المال التي تتحكَّم بإدارة حجر النرد في رسم خارطة العالم، وقد يتفق البعض أنَّ السياحة كما هي استجمام وراحة بال للسائح فهي كذلك منبع مالٍ دفَّاق يُسهم بصورة كبيرة في التنمية ورفد الاقتصاد الوطني، ولا يتأتَّى ذلك إلا بتطبيق معادلة بسيطة جدًا تقوم على توفير المؤسسة المعنية ما لم يكن في حسبان السائح مُقابل ما سيدفعه، والمتتبع لمؤشرات صناعة السياحة العالمية القائمة على تحقيق نماذج عصرية لجذب السيَّاح من شتى بقاع الأرض يلحظ ثمة صناعة حقيقية لهذا العنصر الوليد في اقتصاديات الأمم؛ إذ أشارت إحصائيات منظمة السياحة العالمية (UNWTO) أن عدد السيَّاح في العام 2018 بلغ أكثر من 1.33 مليار سائح وقد تركزوا في عشر دول أوروبية وآسيوية وأمريكا الجنوبية.

وحول قراءتنا لواقع ومؤشرات "بيان السياحة" الذي ألقاه معالي أحمد المحرزي وزير السياحة الموقر الأسبوع الماضي أمام مجلس الشورى، فقد تناولت الاستضافة الكثير من المتغيرات والتفاصيل وشذرا كبيرا من استعراض العضلات لبعض أصحاب السعادة، الذين يُدركون أن الوقت مناسب لترويج بعض الدعايات الإعلاميّة لكسب الزبائن، ومن يتفحَّص تفاصيل المناقشات بين الأعضاء ومعاليه يجد أنّه لا يعدو عن العتب والتبرير وذلك مؤشر غير صحي في الواقع البرلماني، فقد كانت ردود معاليه صريحة وواقعية ويشير بوضوح إلى مسؤولية وزارته بإمكانياتها المادية والبشرية والتشريعية للنهوض بهذا القطاع وأيضًا كيف أنّه يتقاطع مع عدد من العوامل المحيطة اجتماعيا وثقافيا وقانونياً ومؤسساتيا، علاوة على أنّ هذا القطاع بحاجة إلى كيان متكامل يُسلَّم للوزارة لتديره بحرفية وتطوير لا أن يُترك لها الجمل بما حمل بكل هذه التركة الثقيلة والتي تحتاج لسنوات طويلة للبناء والتأسيس لتقدم عائدها الاقتصادي محليا وعربيا وعالميا، وعلى الرغم من عتبنا وانتقادنا لشبه غياب القطاع السياحي على الساحة وعلى الرغم من أنّ استراتيجية عمان 2020 كان تتوقع أن تسهم السياحة في الناتج المحلي 6% إلا أنّها لم تتجاوز حاليا 2.9% ونحن على أعتاب السنة الأخيرة من هذه الاستراتيجية إلا أنّ الصعوبات والتحديات قد تبرر بطأ هذا الإنجاز. ومع ذلك فمن الملاحظ وحول مناقشات أصحاب السعادة نجد أنّها لا تعدو عن الشخصنة والتقصُّد لمعاليه والتحدث بلسانه بما لم يقله، وذلك مؤشر خطير بأنّ يكون طرح عضو مجلس الشورى بدرجة غير كافية من العمق، فالمواطن لم ينتخب سعادته من أجل استعراض الأسئلة الرنانة، بل وكَّله مسؤولية المطالبة بتطوير بلده بلسان الضاد العذب الذي يتمتع بالرزانة والمصداقية فيما يُستعرض مع رجالات الدولة، فأمام الكم الهائل من إلقاء اللوم على الوزارة فقط بتباطؤ نمو القطاع السياحي، يدفعنا لأن نطرح سؤالا بسيطا لبعض أعضاء المجلس: ما هي تصوراتكم ومقترحاتكم ومشاريعكم السياحية الاستراتيجية التي تقدمت بها للوزارة؟

فالمرء ينتقد للتطوير والتقويم والتحسين إذا كان يملك مرئية متكاملة لمشروع حيوي وقطاع وطني استراتيجي، فمن الخطأ بمكان أن تستعرض المشكلات والتحديات والصعوبات دون أن تضع الحلول والمقترحات وأنت أقرب عن المسؤول لواقع السياحة وتلمُّس حاجات المواطنين. نحن بحاجة إلى الهدوء في تصحيح مسارات بناء اقتصادنا الوطني، فالانتقاد والدعوة للتطوير مع الحلول والمقترحات تعطينا كمواطنين مؤشرا قويا حول العمل البرلماني المؤسسي الذي وصلنا إليه، بينما استعراض العضلات والخطب الرنَّانة والشخصنة لا يرغب فيها المواطن ولا الوطن ولا يوجد لها تفسير ونحن على أعتاب نهاية الفترة الثامنة من عمل المجلس، إلا كونها دعاية إعلامية غير مرغوب فيها. فمن يمتلك زمام الحديث عليه أن يقدم كمواطن يهمه برلمانه الذي انتخبه الأدلة والقرائن والمقترحات والتصورات التي تجعلني وتجعل المسؤول يصفق له، لأنّه شريك فاعل في صناعة التنمية والقرارات، نحن بحاجة إلى برلمانيين فاعلين لا إلى سوبر مان.