هل تغيَّرت السياسة العمانية بعد مؤتمر وارسو؟

صالح البلوشي

الحديث الذي أدلى به معالي يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، لقناة (DW) الألمانية، مؤخراً، أجاب عن كثير من الأسئلة التي أُثيرت بقوة بين المتابعين ومواقع التواصل الاجتماعي، خاصة تحت وسم: #عُمانيون_يرفضون_التطبيع في تويتر، بعد اللقاء الذي جرى قبل عدة أيام في وارسو بين معاليه ورئيس الوزراء الإسرائيلي، وكذلك مشاركة السلطنة في مؤتمر (وارسو "للسلام" في الشرق الأوسط)، إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي، والولايات المتحدة، وإسرائيل، ودول أخرى.

وقد طرح معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية عدَّة نقاط مهمة في اللقاء، ولعلَّ أبرزها ثلاث نقاط -والتي أثارت الجدل- وهي:

أولا: التأكيد على استقلال القرار السياسي العماني، وأنه ينطلق من المواقف الثابتة العُمانية التي أرسى دعائمها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله- والتي تقوم على مبدأ الحياد الإيجابي، وعدم الانحياز إلى طرف ضد آخر في الصراعات الدولية، وقد أثبتت السياسة العُمانية -طول العقود الماضية- نجاحها وقدرتها على تقريب وجهات النظر بين كثير من أطراف الصراع في المنطقة.

النقطة الثانية -والتي طرحها بن علوي- هي: موقف السلطنة من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؛ فمعاليه كان صريحًا جدًّا، أن المشاركة في مؤتمر وارسو ليس الغرض منها التطبيع؛ إنما "تقريب وجهات النظر الفلسطينية والإسرائيلية، من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط"، وقد كشف معاليه وجود "مبادرة للسلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، تشارك فيها أطرافٌ أخرى"، موضحًا أن هذه الأطراف "تمكّنت من تحديد بعض التوجّهات التي تقوم عليها قواعد السلام والاستقرار في الشرق الأوسط "، ولم يذكر معاليه أسماء هذه الأطراف الأخرى.

ورغم الشكوك التي يطرحها البعض حول قدرة السياسة العُمانية على تقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة في ظلّ التعنّت الإسرائيلي في كثير من القضايا المرتبطة بالصراع في الشرق الأوسط، إلا أن نجاح السياسة العُمانية في موضوع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول 5+1 (قبل أن تنسحب الولايات المتحدة منه بشكل أحادي)؛ يؤكد أنه مهما كانت الصعوبات والعراقيل تعترض طريق الوصول إلى السلام؛ فإن السياسة تثبت دائما أنها لا تعترف بالثوابت، إنما هي فنّ الممكن. فالسلطنة لعبت دورًا كبيرًا في إعادة مصر إلى الصف العربي بعد المقاطعة العربية لها بسبب معاهدة السلام مع إسرائيل، بعد أن ظنّ الجميع صعوبة ذلك وربما استحالته، ولعبت دورًا كبيرًا أيضًا في كثير من القضايا العربية الشائكة، وهناك كثير من الأمثلة اليوم على ذلك أيضاً، فمن كان يصدّق أن تجلس الولايات المتحدة -خاصة في عهد الرئيس ترامب- على طاولة واحدة للتفاوض مع حركة طالبان؟ ومن كان يتوقع أنّ إيران -التي لعبت دورًا كبيرًا في إسقاط هذه الحركة الأصولية عن الحكم في أفغانستان- تتوسط بينها وحكومة كابول اليوم؟ ومن كان يتوقّع عودة سفارات بعض الدول الخليجية إلى دمشق بعد أن كانت تُطالب بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد؟!

ومن النقاط المهمة التي أشار إليها بن علوي وأكّد عليها، عدم تغيُّر العلاقة بين السلطنة وإيران، واستمرارها رغم مشاركة السلطنة في مؤتمر وارسو، وهذه نقطة في غاية الأهمية؛ لأنه كان هناك من يظنّ أن مشاركة السلطنة هي من أجل تشكيل تحالف ضد إيران، لذلك حرص معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية على طرح هذه النقطة في لقائه مع التليفزيون الألماني.

وبغضِّ النظر عن رأينا في هذا المؤتمر، الذي أثار الكثير من الجدل في المنطقة، فإن هذه النقاط الثلاث -التي طرحها معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية- تثبت أن السلطنة لم تَحِدْ عن سياساتها الثابتة في دعم الحق الفلسطيني، وحتى الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وأنها تقف دائما مع الحق، الذي يتمثّل في الدعوة إلى السلام والوئام في المنطقة بعيدًا عن ويلات الحروب.