المعتصم البوسعيدي
ينتشر اليأس في الوسط الرياضي العُماني كلما مرت علينا بطولة إقليمية؛ حيث النتائج السلبية وما تخلفه من وجع دائم على حال الرياضة وتأخرها عن الطموحات والتطلعات حتى في أقل مستوياتها، علاوة على حالة الخلاف وليس الاختلاف التي تلقي بظلالها على النقد والآراء لقد عشنا أجواء بطولة أمم آسيا بما أحدثه الجمهور العُماني في البطولة أكثر مما أحدثه المنتخب الوطني على أرضية الملعب، ومع الأسف تتوالى الحسرات على لبنِ رياضتنا المسكوب منذُ زمن، فيما نحاول بين فترة وأخرى أن نجد بارق الأمل ونفتش عن لون حياة يبدد قتامة الأشياء حولنا
إن المفاضلة التي ما تلبث أن تعاودني بين الاتحادات المنتخبة أو اللجان المعينة ترجح عمل اللجان ببون شاسع في حالات كثيرة، ولعلني تناولت إحداها ــ سابقاً ــ فيما يخص اللجنة العُمانية لكرة الطاولة. أما اليوم فهناك صوت رياضي يشعرك بالارتياح، صوت لا ضجيج له لكنه بات مسموعاً من رقعةٍ "تضم 64 مربعا بلونين مختلفين و16 قطعة وتنتهي بموت الملك أو الشاه"، موتٌ يعني ــ مجازاً ــ الحياة لرياضتنا!!، وذلك ــ بصدق ــ ما استشعرته في حقيقة اللجنة العُمانية للشطرنج التي ولدت ــ قريباً ــ في العام 2014م لكنها ولدت كبيرة بإستراتيجيتها وعملها المُمنهج الذي يقوم على قيمة العمل لا الأشخاص
اللجنة العُمانية للشطرنج قامت على فكرة مشتركة بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الرياضية، ومضت في أول العهد برئاسة ليلى النجار قبل أن يستلم دفة القيادة ربانها الحالي أحمد البلوشي الذي واصل العمل وقاد اللجنة لمستوى عالٍ من التنظيم ووضوح الرؤية والرسالة والأهداف، وبخطوات ثابتة ومدروسة ومستقبلية؛ فروزنامة البطولات والبرامج على كافة الأصعدة مُعلنة ومدرجة ولا مجال للتسويف فيها، كما أن اللجنة وبلغة الأرقام الإحصائية انتشرت في 50 مدرسة بواقع 1200 طالب مما جعلها حديث الاتحاد الدولي والآسيوي للشطرنج.
تتطلع اللجنة العُمانية للشطرنج إلى أن تصل في العام 2020م إلى 1200 لاعب بأرقام دولية وانطلقت من الصفر في هذا الهدف، وها هي تصل في بداية عام 2019م ــ فقط ــ إلى 986 لاعبا، وقدمت اللجنة الدعم لكل الأندية التي تود فعلاً أن تمارس اللعبة وقد شاركها في بطولة العموم الأخيرة 22 ناديا، ولا تكتفي اللجنة بتقديم الدعم من خلال فتح المراكز التي تصل في الوقت الحالي إلى 5 مراكز متوزعة على محافظات مختلفة و5 مثلها في الأندية، بل إنها ترفد الأندية باللاعبين المؤهلين بمنهجية صحيحة ليمثلوها في البطولات المتنوعة.
لا تعتبر الشطرنج لعبة رياضية ترفيهية فقط منذ ابتكارها الأول الضارب في القدم حسب الرواية الهندية، إنما اللعبة هي ذهنية تنمي العقل والفكر وهي الرياضة الوحيدة تقريباً التي تدخل في المنهج الدراسي، وهناك محاولات لضمها للألعاب الأولمبية وأعتقد أن هذا الأمر مسألة وقت ليس إلا، لذلك نجد أن اللجنة العُمانية للشطرنج تستهدف النشء وتراهن عليه لنجاحها مستقبلاً؛ حيث تضم منتخباتنا لاعبين يصل أحدهم لسن 6 سنوات شارك في البطولة العربية ونافس بقوة على المراكز الأولى، وهذا رقم ليس بالسهل ولا اليسير ويبرهن على جدية تنفيذ الخطط الموضوعة.
يبقى أن اللجنة لديها شراكة جيدة مع القطاع الخاص، والتطلع لزيادة ذلك من خلال وعي هذا القطاع لأهمية الالتفات لمثل هذه الرياضات بعيداً عن الهدر الحاصل في رياضات كثيرة لا "تسمن ولا تغني من جوع"، وتنشط اللجنة إعلامياً بطرق مختلفة ومتنوعة ومبتكرة وتمارس تواصلا اجتماعياً واضحا للعيان، وعلى الإعلام أن يمارس دوره في مساعدة هذه الرياضة التي تمثل الحياة والبعث لرياضة عُمانية شبه ميتة إن لم تكن ميتة فعلاً، ولا أدعي أنني أدرك الحقيقة الكاملة لقصة نجاح اللجنة العُمانية للشطرنج، ولكن متأكد أنَّ إعجابي بعملهم جعلني أقول شيئا وبالتأكيد غابت عني أشياءٌ أخرى ستجدونها ــ حتماً ــ عند أحمد البلوشي ورفاقه.