صناعة الرياضة.. العنابي نموذجاً

 

 

حسين بن علي الغافري

 

انتهت حكاية كأس آسيا مساء الجمعة بقمة النهائي التي جمعت بين العنابي القطري ونظيره الكمبيوتر الياباني. مباراة اتضحت معالمها منذ البداية عن أنّ المنتخب القطري عاقد العزم على حصد اللقب والعودة إلى الدوحة وهو متوج بأول ألقابه في كأس آسيا. وهو ما تحقق في نهاية المطاف بفوز قوامه ثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد لليابان، وأول هدف يلج شباك العنابي طيلة مباريات البطولة. فريق استحق اللقب ومبارك لهم وما حققوه أسعدنا جميعاً دون شك، والفرحة قبل أن تعم الدوحة فهي قد عمت السلطنة، والكأس قبل أن تحتضنها قطر فقد احتضنتها صُحار. فرحهم فرحنا جميعاً فوز المنتخب القطري لم يأت مصادفة أو مجرد توفيق هكذا والسلام، أو غير مُهيأ له أو غير مُعدّ له الإعداد الجيد، بل على العكس تماماً فما نراه اليوم هو نظير جُهد وعمل دؤوب في تكوين منتخب منافس بأعمار تتراوح بين 22 و 28. عقلية آمنت في تهيئة كل عوامل النجاح، وما تحقق هو نتاج كل ما نراه، فمن يزرع مؤكد بأنّ الحصاد ينتظره. من يرى المنشآت الرياضية في مُختلف المدن القطرية ويرى كيفية صناعة المجيدين رياضياً في مختلف الرياضات وليس بكرة القدم فقط يدرك تماماً بأنّ حصد الألقاب بحاجة إلى متطلبات أساسية لا يمكن أن يتحقق النجاح لولاها. ناهيك عن الأكاديميات الرياضية القطرية التي باتت تُقدم المواهب بعد أن تصنعهم كما ينبغي. كذلك من تابع المنتخب القطري الفائز ببطولة كأس آسيا الأخيرة نجدهم نتاج أكاديمية "إسباير" التي بدأ فيها الإسباني فيليكس سانشيز منذ عام 2006 أي قبل قرابة 13 عامًا، تدرج مع نمو هذه المواهب، فكان في الأكاديمية لسبع سنوات، وانتقل معهم في مختلف المنتخبات الوطنية في بقية الست سنوات الأخرى من خلال تواجده في منتخبات أقل من 19 و20 و23 وهو الآن يقود المنتخب الأول. إذاً ما نستشفه من مشواره بأنّه لم يكن مدربا عابرا ومارا مرور الكرام، أو مدرب أزمات يأتي كإسكات بعد خراب مالطا، أو لمن نال نصيبه من الأموال ما يكفي وعكس الدنيا "فوق تحت". على العكس فما قدمه سانشيز هو العمل الاحترافي الفعلي، وحصيلة مشروع اشتغل عليه منذ أكثر من عقد، وبنى عمله من الصفر إلى ما تحقق. هذه العقلية هي من تطالبها بالنتائج وتأمل في أن تقدم المأمول منها، عدا ذلك فالاجتهادات الأخرى لا تصنع نجاحا بعيد المدى وإن نالت لقبا يتيما عابرا بضربة حظ تحدث مرة وتحلم في تكرارها طيلة عمر دون جدوى.

 كما إنّ جانب الإعداد وتكوين المواهب ليس كُل الأمر، فنموذج العمل القطري لم يُقدم جزءا ويُهمل أجزاء أخرى، بل واكبته أعمال أخرى كبناء المنشآت الرياضية بالمواصفات المتكاملة، واستضافة البطولات الكبرى التي دورها هام من أجل بث الروح والحافز في نفوس اللاعبين والمشجعين سواء، كما إنّ صناعة دوري من مختلف المراحل السنية وصولاً إلى الدوري الأول بعمل مُحترف ومنافسات تطبق الاحتراف كما يجب. لست هنا في تقديم جديد نجهله أو كلام تنظيري بأسطوانة مكررة مللنا من سماعها، وأنا على يقين تام بأنه يعلمها الكثيرون. فكل ما ذُكر "معروف" وأكثر، وعوامل النجاح سواء بالرياضة أو غيرها هي عملية تكاملية ومشروع يحتاج إلى جهد وتبني من أعلى المستويات الحكومية والخاصة، وتكاتف الجميع، وإلا فسنظل في نفس الحلقة وحدودنا لا تتعدى المشاركة الشرفية؛ وهو ما يحز في النفس رغم أننا نملك جمهورا طموحا ومحبا وعاشقا للرياضة، وشاهدنا وقفته مع منتخبنا ومع أشقائنا في قطر واحتفاءهم الكبير بلقب العنابي ومسيرات الفرح التي عمت السلطنة. هو أمر يحرك المشاعر في نفوسنا لنستثمره كما يجب. ونتمنى أن يحرك نفوسا أخرى تُعنى به.