قطر رسمت الابتسامة العربية

 

حميد بن مسلم السعيدي

 

جماليات السعادة تظهر عندما يُحقق الإنسان الإنجازات العظيمة التي يُخلدها التاريخ، خاصة تلك التي تتحقق بعد أن بذل جهدًا كبيرًا في الوصول إلى منصة التتويج بالنصر، حينها تكون السعادة أكثر عمقًا وتعبيرًا عن الذات، لذا يعمل على التعبير عن تلك السعادة بحيث تظهر بأشكال متعددة وصور تلونها أطياف الإنجاز، وها هي الصورة الحقيقية للإنسان الخليجي والعربي تظهر بحالتها الطبيعية بعيداً عن أي تغاليف سياسية، حيث تغنت الأمة العربية والخليجية ورسمت عرسًا جميلاً، كان العريس اللاعب القطري والعروسة ليلة النصر وتحقيق بطولة كأس أمم آسيا، تلك البطولة التي نبحث فيها عن النصر العربي وعلى أرض عربية، حيث كان التحدي كبيرًا، ولكن رغبة بالنصر كانت أكثر قوة على تحقيق هدف الفوز، في ليلة كانت كالحلم بعيداً عن كل ما يحدث بالوطن العربي والخليجي، كان النصر أداة لإنعاش الوحدة العربية من سباتها، وأداة لإظهار معدن الإنسان العربي، وأداة للعودة إلى اللحمة العربية والوطن الواحد والأمة الواحدة والنصر الواحد، هكذا فعلت قطر بالوطن العربي أعادت للشعوب العربية فرحتها وسعادتها.

طال الانتظار كثيرًا ونحن نبحث عن الأمل الذي يُعيد للعرب ابتسامتهم وسعادتهم، مرت سنوات عجاف لم نر نصرًا عربيًا في مجال عالمي، مرت سنوات ونحن نتغذى من ألم الحرب وويلات الصراعات وجنون السياسة، مرت سنوات والعرب متفرقون لا يعرفون للوحدة مكانة في حياتهم، مرت سنوات ونحن نبحث عن شيء ما يُعيد للعرب مجدهم، واليوم وعلى أرض عربية رفض أبناء الدوحة إلا أن يحققوا النصر العربي ويعيدوا للعرب أمجادهم ويضعونهم في قائمة الانتصارات، هكذا فعلها أبناء الأدعم وحققوا نصرًا عربيًا على أقوى المنتخبات الآسيوية، نصرًا لم يكن عاديًا كأي نصر، فقد كان التحدي كبيرًا والحمل كان أثقل على هؤلاء الشباب الصغار، الصغار بأعمارهم والكبار بإنجازاتهم وأخلاقهم، حيث كان الصمت غايتهم، والفوز هو نتاج عملهم، وهذا لا يحققه إلا الكبار، لذا جمعوا كل الجوائز وحملوا الكأس إلى مدينة صحار العُمانية، حيث كان الليل نهاراً، وكان العرس عمانياً بأرضه، قطرياً بين أهله.

كانت الحدود صامتة تنتظر مرور ناقلة كتيبة الشيخ تميم حاملة معها أبناء قطر، لم يطل الصمت طويلاً، حتى نُحِرت الأبل على طريق النصر، وعبرت الفرحة عُمان من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها تحتفل بنصر عربي وخليجي، وزفت تلك القافلة تحفها مسيرات المواطن العماني الذي أراد أن يُقدم أجمل التهاني لأخيه القطري، هي لحظات امتزج فيها الحب بالفوز، والنصر بالإنجاز، فكانت عُمان وكل الدول العربية ترقص طربًا وتقيم حفلاً بين أجنحة الظلام الذي بات الفجر ينتظره ليشق طريقًا جديدًا نحو الإنجازات، حيث كانت الروح العربية ترسم لوحات فنية تعبر فيها عن سعادتها، فرقصة أحواش في أرجاء المغرب، وفي الجنوب كان صوت السودان يقرع طبول الكمبلا ويرسل تناغيم العشق العربي، ومصر تتساءل "البحر بيضحك ليه؟"، وفي غزة كانت الحلوى توزع على المسيرات، في الأردن حيث الدبكة كانت حاضرة طوال الليل، وفي العراق كانت مياه دجلة والفرات تغرغر صوت الماء بملحمة غلغامش، ليصطدم بمياه الخليج العربي ويشكل تلاحم بينهما، كالحلم الذي نبحث عنه بين الرمال، وفي اليمن حيث الأمل يبحث عن أرواح الطفولة التي تحلق حول أبواب السماء لترسم خطوط من المجرات العابرة في اصطفاف نجمي يعبر عن فرحة وطن.

كل تلك الأحداث التي شغلت تلك الأمسية في أرجاء الوطن العربي، ما بين سعيد أراد أن يُعبر عن سعادته، وبين منتصر أراد أن يرفع راية بلده في المحافل الدولية، وبين صوت الحق الذي ينادي بالوحدة العربية، وما بين كل المفردات والمقارنات علينا العودة إلى طاولة الحياة، لنتعلم درساً في غاية الأهمية مما حدث هناك من شرخ في الجسم العربي، ابتعد فيه الإنسان العربي عن جسده، وأصبح يتغنى بجزء من أحلام الماضي، ماذا لو كنَّا غير ذلك؟ ولماذا أصبحنا هكذا؟

كنَّا نحلم أن تحقق الرياضة ما لم تحققه السياسة وتُقرب بين أبناء الوطن الواحد، وترجع شرايين الدم بين أجزائه متواصلة، ويعود الحب إلى حضن قلوب أبناء الخليج، كنَّا نأمل أن نرى تلك القُبلة في ساحة الملعب قُبلة الأخ الذي يبحث عن سند أخيه، لكننا رأينا ما يخجل النَّص أن يكتبه بين الخليجيين، ابتعدنا كثيرًا وأصبح مزمار الغدر والخيانة عنوان لصوت الإعلام الخليجي، وأصبحت خناجر الفتنة تشعل عبر الشاشات نفسها التي كانت تغني خليجنا واحد وشعبنا واحد.

يمر العمر سريعًا وتنبت أجيال جديدة تروى ببذور الحقد والكره بين أبناء الخليج، بين أبناء الوطن العربي، بعد أن أصبح الإعلام ساحة للصراعات، ومجال لتبادل الشتائم، مبتعدين كثيراً عن أخلاق القرآن الكريم، وعن أخلاق العرب وأصلهم، لنصبح أضحوكة لدى الغرب، يشاهدون بصمت حجم الصراع والخلاف بين العرب، حتى كانت النتائج واضحة في موقعة رمي الأحذية، حيث هبطت كل القيم فأصبحت صورة على الصحف الغربية، تقارن بين المبادئ والأخلاق المكتوبة على الورق، وبين ما يحدث من سلوك يُعبر عن تلك الأخلاق.