2040.. قراءة أيديولوجية

 

د. سيف بن ناصر المعمري

 

لسنا متشائمين، ولكن لسنا مُتفائلين في موقفنا من رؤية عمان "2040"، فنحن "متشائلين" على حد تعبير المُفكر الفلسطيني إيميل حبيبي، إذ لم يحسم المؤتمر الذي نظم الأسبوع الماضي هذا التردد داخل كثيرين، والاختلاف في الآراء حول هذه الرؤية لا يتعلق بأهميتها وضرروتها للبلد، فلا أحد يُجادل في ذلك لأنَّ الدولة التي تمضي بدون رؤية واضحة المعالم هي دولة ليس لديها تصور لما تريد؛ وبالتالي لم يكن النقاش الذي صاحب عقد المؤتمر حول أهمية الرؤية من عدمها، كما حاول البعض أن يصور ذلك، لكي يعمد لتصنيف المواقف إلى مؤيدة للرؤية أو معارضة لها، لصرف النقاش عن جوانب على قدر كبير من الأهمية متعلقة بالرؤية، وهي العوامل التي قادت إلى حالة "التشائل" التي يمر به الكثير، ويمكن أن تقود إلى عدم نجاح الرؤية في تحقيق أهدافها إن لم تأخذ بمأخذ الجد، لذا نحن بحاجة إلى قراءة بديلة للرؤية ومسارها، من أجل توضيح بعض المعاني غير الظاهرة لها والتي من الضروري تعريفها، وهي تعكس خطابًا أيديولوجيًا لابد من تحليله حتى يُمكن تحقيق أفضل للسياق الذي تنطلق منه الرؤية، وهنا أسلط الضوء على ثلاث نقاط، هي:

أولاً: رغم أنَّ هذه الرؤية رؤية وطنية إلا أن الحكومة هي التي أطلقتها، كما أطلقت من قبل رؤية "2020"، وهي من قادت التخطيط لها من خلال لجنتها الرئيسية ولجانها الفرعية، وبالتالي لابد من تقنين مسألة تصوير الرؤية على أنها "رؤية" أنتجها المجتمع مع الحكومة، فالحكومة تستدعي المجتمع هنا ليس لإيمان كامل بأهميته بمُختلف فئاته ومكوناته في التخطيط معها، وإلا لكانت انصتت للمجتمع في كثير من مناشداته لحل القضايا الراهنة التي يُعاني منها سواء تعليمية أو اقتصادية أو اجتماعية، ولكن يستدعى المجتمع هنا في هذه الرؤية لسببين: الأول هو إبعاد صفة الاستفراد بالقرار عن الحكومة من خلال التأكيد على إشراك المجتمع، وتستمع له ولا تقطع رأياً إن لم يكن يدعمه، أما السبب الثاني فهو إضفاء شرعية على الرؤية من خلال تصويرها على أنها نتاج عمل مشترك وجماعي، وبالتالي لابد أن يتحمل الجميع مسؤولية الفشل فيها، دون النظر إلى اعتبارات وزن السلطة وأدواتها لدى جميع الأطراف، وبالتالي هذا يقودنا إلى طرح سؤال ستكون الإجابة عنه في النقطة الثانية وهو: إذا كانت الحكومة اعترفت بالمجتمع شريكاً أساسياً في بناء الرؤية كما يقول خطابها هل سوف تسمح للمجتمع بأن يكون شريكًا أساسيًا في الرقابة على تنفيذها؟

ثانياً: الحكومة لا تسمح لأحد أن يشرف على عملها أو أن يقيم أداءها فهي تشرف على الجميع، وبالتالي يبدو أن حدود الشراكة مع المجتمع كما جاء في مؤتمر الرؤية تقف عند حدود المقترحات التي يقدمها أفراده هنا وهناك، لكن لم يتكلم أحد عن دور "المجتمع" الذي يعد المتضرر الأكبر من أي فشل محتمل لهذه الرؤية- في الرقابة على الحكومة للالتزام بالعمل بما جاء بالرؤية وتقديم مؤشرات فعلية للأداء والإخفاق وسُبل معالجته، ولم يتطرق إلى الآليات التي يجب أن تعزز لدى المجتمع خلال العشرين سنة القادمة لضمان تحقيق الرؤية وتعزيز التنمية في البلد، وأيضاً مستوى الحياة لدى المواطنين، وعلى سبيل المثال مستقبل مجلس الشورى وصلاحياته وهو يعد من آليات المجتمع في الرقابة، هل ستتغير لتكون أكثر استجابة لمتطلبات الرؤية؟ وسؤال آخر يتعلق بالإعلام ووسائله المختلفة وهو من الآليات التي يمكن أن يوظفها المجتمع، هل ستتغير القوانين التي يعمل وفقها  لتتيح دورا أكثر عمقاً له في ضمان تحقيق رؤية 2040م؟ والأسئلة تطرح على جوانب كثيرة مثل المجالس البلدية، والمجتمع المدني وجمعياته؟ هذه الجوانب غير واضحة المعالم ولا نعرف كيف يُمكن أن تنجح رؤية تكون فيها الحكومة كالعادة هي المنفذ وهي المقيم، فهل نتوقع أنها سوف تحاسب نفسها، وتُعلن عن تقصيرها في حالة حدوثه، لم يحصل ذلك في الرؤية السابقة فهل سوف يحدث في هذه الرؤية؟ هذا سؤال يقودنا إلى نقطة ثالثة..

ثالثاً: لا يزال حتى اليوم هناك من يدافع عن نجاح رؤية عمان 2020، ولذا لم يعرض في المؤتمر تقييم لهذه الرؤية وجانب النجاح أو الإخفاق فيها، وأسباب ذلك رغم أنَّ مثل هذا الجرد يعد ضرورياً قبل إطلاق رؤية أخرى، والسبب الذي يقف وراء ذلك هو تصوير الحكومة بأنها مؤهلة دون الحاجة إلى أي تغييرات بنيوية بداخلها لتنفيذ هذه الرؤية أيضًا، ولذا لم يتم التطرق إلى التغييرات الجوهرية الضرورية للحكومة لتنفيذ هذه الرؤية، وهذا جانب جدًا مهم حتى لا تحول الرؤية إلى تجربة، إن لم تحقق الحكومة كامل أهداف "رؤية 2020"، فمن المُحتمل أن تحققها في المرة الثانية "2040"، حتى وإن لم يكن الأداء مختلفًا عن الأداء الحكومي السابق، والسؤال هو من سيعوض المجتمع عن عدم نجاح رؤية 2040؟ وهذه الأجيال العمانية تتطلع إلى المستقبل ومستعدة أن تمشي وراء الحكومة مغمضة العينين في كل طريق تسلكه وأن تنفذ كل ما تريده منها شريطة أن تظهر لهم أنها هذه المرة ستكون مختلفة منذ البداية ولن تترك مكانا يبق فيه للمقصرين، ولا مجال لأن يستمر الخطأ، ولا تهاون..

إنَّ النقاط الثلاثة الواردة تؤكد أنَّ الحكومة هي الضامن الرئيسي لنجاح رؤية عُمان "2040" وليس المجتمع، لأنها لا تزال تمتلك كل الآليات والضمانات لتحقيق ذلك، مما لا يملكه المجتمع الذي تعمل على تصويره بأنه شريك أساسي، ولكنها شراكة في التخطيط لا في الرقابة والمحاسبة، والطريق نحو شراكة حقيقية يتطلب تنازلات من أجل مصلحة الوطن، ووحدها الحكومة من يملك تقديم التنازلات والتضحيات، وهذا لا ينفي أنَّ المجتمع لابد أن يتغير لكي يستطيع تغيير ما حوله، ليكسب الرهان على مستقبل أفضل.