صندوق استثماري للقطاع الخاص

حاتم الطائي

 

مطار الدقم أحدث المنضمين لمنجزات النهضة.. والمدينة الواعدة أرض المستقبل

نحظى بميزات تنافسية استثنائية في السلطنة دونما أي دولة أخرى

أصحاب الأعمال والشباب شركاء في الصندوق الاستثماري برأسمال مليار ريال

تتعاظم قناعاتُنا بأنّ ما تشهده بلادنا من نهضة تنموية ومشروعات خدمية في شتى القطاعات؛ يبرهن بلا ريب على أننا ماضون في المسار الصحيح، حتى وإن رافق ذلك بعد التحديات التي قد تتسبب في إنجاز الأعمال بصورة أبطأ عن المتوقع، لكن بشكل عام وصلت التنمية في السلطنة إلى مستوى متقدم من حيث جودتها والتزامها بالمعايير الدولية وحداثتها، وهي جلية للعيان في أعالي الجبال وفي السهول، وفي كل بقعة من تراب هذا الوطن الغالي؛ بيد أنّ البعض من هواة رؤية العالم بمنظار قاتم، لا يريد أن يرى حقيقة ما تمّ إنجازه، وكيف تمّ في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة؟!

هناك من يتحدث عن الإخفاق وكأنّ بلادنا لم تشهد تنميةً مُطلقا، وآخرون يهيلون التراب على ما أنجزته السواعد العمانية الفتيّة، وما أحرزه شبابنا من احتلال لمراكز الطليعة في عدد من المجالات، هؤلاء لا يعيرون اهتماما لشاب مبتكر طوّر جهازا لأغراض بحثية أو عملياتية، وآخر ابتكر تطبيقا لتسهيل تقديم خدمات بعينها، وثالث حصد ميدالية في بطولة رياضية على المستوى القاري أو الإقليمي. ومن المؤسف أنّ بعضا من هؤلاء يملكون حناجر- تتيحها منصات التواصل الاجتماعي- تطلق أصواتا مرتفعة لا تكف عن الضجيج، لكنّه بلا طحين!

فما العلة في ذلك؟ هل هناك تقصير من قبل مؤسسات الدولة في التعريف بما تم إنجازه من مشروعات؟ هل تراجع دور الإعلام في تسليط الضوء على مثل هذه المشروعات؟ هل لا يملك هؤلاء الوسائل التي تساعدهم على رؤية هذا النجاح الذي تحقق، ولا يزال؟ الإجابة أبسط من هذه الأسئلة كلها، هؤلاء يرفضون الاعتراف بما تحقق لأنّهم لا يقدرون حجم الجهد المبذول، منعزلون عن عالمنا ويعيشون في عالم موازٍ يرى الكون من زاوية ضيّقة للغاية.. وهذا أمر ليس غريبا على المجتمعات، فهناك دائما قلة تسير عكس التيّار، تنكر الواقع وترفض الاعتراف بما تحقق من تنمية تعم البلاد.

منذ أشهر قليلة احتفلت عُمان كلها بافتتاح مطار مسقط الدولي في حلته الزاهية البديعة، المعاصرة والمواكبة لأحدث التقنيات، كل من زار المطار وسافر عبره يؤكد أنّه استخدم مطارا عالميا يضاهي أحدث المطارات حول العالم، شاهدنا ذلك الطموح في عيون المسؤولين بما سيتحقق من مشروع المطار، وما أتاحه من فرص عمل للشباب، وفرص أعمال للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي انخرطت في الأعمال الإنشائية للمشروع، واستطاعت أن تبني سمعة طيبة في سيرتها الذاتية تدعمها مستقبلا عند المنافسة في مناقصة أو مشروع ما.

وغدا نحتفل بافتتاح مطار جديد وهو مطار الدقم، الذي يقع في المدينة التي أعتبرها "أرض المستقبل"، لما تزخر به من مقوّمات حصرية لا تتوافر لدى غيرها من المُدن العمانية، رغم أنّها جميعًا تتمتع بميزات خاصة؛ لكن تبقى الدقم تنعم بميزات استثنائية، لما تملكه من موقع استراتيجي يطل على بحر العرب، وتتوسط المسافة تقريبًا بين موانئ الشرق في آسيا وموانئ شرق إفريقيا ومضيق باب المندب في الطريق البحرية المؤدية إلى قناة السويس ومن ثمّ الأسواق الأوروبية والأمريكية. فمناطق التصنيع في آسيا تطرح منتجات في قطاعات عديدة تعمل على تصديرها إلى الأسواق الخارجية، وخاصة إلى إفريقيا التي تعد واحدة من أضخم أسواق العالم، نظرًا للكثافة السكانية واقتصاداتها النامية التي باتت تتخذ موقعا رياديا بين الاقتصادات العالمية. ولذلك فإنّ الدور الاقتصادي للدقم لا يتمثل فقط فيما هو قائم من مشروعات، وهي واعدة بكل تأكيد، لكن هذا الدور أيضًا يتعدى ذلك إلى خطط استقطاب الشركات العالمية من شرق آسيا ومن أنحاء العالم، لتكون الدقم قلعة صناعية واستثمارية ضخمة، تتم فيها عمليات الإنتاج ومن ثم التصدير المباشر إلى أسواق العالم.

التنمية التي نتحدث عنها ولا نكف عن إبرازها، هي تنمية صنعتها الإدارة العمانية الناجحة باقتدار والرؤية الثاقبة بعيدة المدى، بفضل الحكمة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- والمشروعات التنمويّة التي تنعم بها بلادنا، تتنوع في مختلف القطاعات، وتُحظى بميزة تنافسية مقارنة بغيرها من دول المنطقة، وفي المُقدمة منها استدامة هذه المشاريع وحداثتها؛ إذ إنّ عوائد المشاريع التنموية أنّها تمتد لعشرات السنوات، باعتبارها مشاريع الأجيال، وليست مشاريع مرحليّة فحسب؛ ولذلك نجد أنّ ما تمّ إنجازه من مشاريع تنموية في البنية الأساسيّة من طرق وجسور ومطارات وموانئ ومناطق صناعية وحرة واقتصادية خاصة، وغيرها الكثير، يمثل بناءً للمستقبل، فكلها مشروعات تخدم أبناءنا وأحفادنا، فهم الذين سيجنون ثمار المراحل السابقة من عمر النهضة المباركة. إننا بالفعل حققنا الكثير من التنمية والتقدم في قطاعات عديدة، ونمتلك ميزات تنافسية عالية للغاية، فلننظر إلى دول العالم من حولنا، فالبعض يئن تحت وطأة أوضاع اقتصادية وسياسية غير مستقرة، فها هي أمريكا تعاني من فوضى غير مسبوقة في أروقة الحكم، رئيس دولة يواجه الجميع بأفكاره الشعبوية والإقصائية، وبرلمان منتخب يعاند ذلك الرئيس ويحاول كبح جماحه، فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة أغلاق شبه كامل للحكومة الأمريكية، هل يُعقل أن يظل موظف في الحكومة الأمريكية لمدى 3 أسابيع لا يتقاضى راتبا؟ هل يتخيل أحدنا أنّه ذاهب لإنجاز معاملة حكومية، فيجد لافتة على باب الوزارة أو الهيئة أو المؤسسة مكتوب عليها "مغلق"؟! هؤلاء لم يستهدفوا التنمية كما استهدفناها نحن في بلادنا، هؤلاء كانت قضيتهم السيطرة على مقدرات العالم وشراء النفط الرخيص وإشعال الحروب وإحداث التوترات في الأسواق العالمية، حتى يذعن الجميع لهم طلبا للقروض المشروطة والتمويلات التي تصل بحزمة إجراءات إلزامية.

إننا ندعو أولئك الذين يبثون الطاقات السلبية في نفوس الشباب أن يدركوا حجم الجهود المبذولة من أجل التنمية ومن أجل رخاء وسعادة المواطن، من حيث توفير الخدمات أو الوظائف، فأغلب الخدمات الآن باتت إلكترونية لا تستغرق وقتا ولا تتسبب في معاناة المواطن.. نعم ربما بعض الجهات تشهد ازدحاما أو بطءًا في الإجراءات، وهي جوانب دعونا المسؤولين مرارا إلى ضرورة التخلص منها، وتسريع الإجراءات وتحسين مستوى الخدمات في عدد من الجهات.

الإشكاليات التي تعيق مسار التنمية قائمة، ولا ننفيها، لكن نملك الطموح والأمل في تطوير هذه الخدمات والعمل على الاحتفاظ بما تحقق من تقدم، وخاصة ما حصدناه من مراكز متقدمة في تقرير التنافسية العالمي.

والإشكالية الرئيسية التي تواجه مسيرة نهضتنا تكمن في بعض الإجراءات التي نأمل حلها، سواء تلك المتعلقة بتسهيل إجراءات المستثمرين وأصحاب الأعمال، أو ما يخص جانب تكاملية العمل بين عدد من الجهات، لاسيما المرتبطة بأنشطة اقتصادية بعينها، نأمل بعض التغيير في ثقافة العمل لدى شبابنا، لكننا نشيد بما ينتجه الكثيرون من أعمال وما يحققونه من نجاحات. الواقع يقول إننا إذا أجرينا بعض التحسينات فيما سبق ذكره، سنكون قد بلغنا أعلى مستوى من التقدم في المنطقة في كافة المجالات، وليس بعضها كما هو قائم الآن، فليس لدينا مشكلات عميقة أو جذرية، لسنا في موقف أوروبا الذي يواجه تحديات صعبة في ظل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتداعيات ذلك على أكبر تكتل اقتصادي في العالم، ولسنا دولة تعاني من عدم الاستقرار، بل- ولله الحمد- دولة تفخر بأنها حازت على درجة "صفر إرهاب".

إنّ التنمية التي تجري في شرايين البلد وتبني مشروعات نوعية في مختلف القطاعات، كفيلة بأن تحقق ما نصبو إليه من نمو اقتصادي، وما شهادة المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي على أن السلطنة ستحقق أعلى معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي على مستوى دول الخليج، ليس سوى برهان ساطع على نجاعة الإجراءات المتخذة، ودليل دامغ على بُعد النظرة الاستشرافية لمختلف السياسات التي يتم تنفيذها.

ولذلك نؤكد دائما على أن الكرة في ملعب القطاع الخاص، القادر على الاستفادة من كل ما تحظى به السلطنة من ميزات استثمارية تنافسية. ولذا نطرح من جانبنا حلا نأمل أن يسهم في تحقيق طفرة حقيقية في معدلات النمو والإنتاج والتوظيف، ندعو كبار المستثمرين وأصحاب الأعمال إلى تأسيس صندوق استثماري خاص برأسمال مليار ريال عماني، يديره القطاع الخاص من خلال مجلس أمناء يضم في عضويته المساهمين من المستثمرين، وممثلا عن غرفة تجارة وصناعة عمان وممثلا عن الحكومة، ويتم اتخاذ قرارات الاستثمار فيه بالأغلبية المطلقة، لضمان موافقة الجميع على المشروعات الاستثمارية التي سيطرحها الصندوق. وسيكون هدف الصندوق إنشاء مشروعات إنتاجية، وفي المقدمة مشاريع البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي "تنفيذ" في مختلف القطاعات، بما يضمن توفير وظائف للشباب ودعم النمو الاقتصادي إضافة إلى استدامة عملية التنمية الشاملة في البلاد. الصندوق سيتولى كذلك مسؤولية الإشراف على هذه المشاريع التي سيكون الشباب العاملون فيها مساهمين؛ بمعنى أنهم سيحصلون على نسبة من الأرباح السنوية، باعتبارهم شركاء في النجاح، وسيدعم ذلك الاستقرار الوظيفي للشباب ويعزز حرصهم على العمل والإنتاجية، ويعود بالربح على المستثمرين والنفع على اقتصادنا الوطني.

فهل تجد هذه المبادرة من يستجيب لها من المستثمرين كجزء من ثقافة رد الجميل لهذا الوطن المعطاء؟ وهل من مشمِّرين لهذه الفكرة الطموحة؟