"تاجر بركاء".. كل التقدير لكم من مسندم لظفار

 

 

د. عبدالله باحجاج

كُنيته "التاجر" قبل أن تكون مُسمَّى مهنته؛ لذلك عنونَّا مَقالنا بالكنية، ولأنها -أي الكنية- تُطابق مُسمَّاه الوظيفي "التاجر"، فالتقى المسمَّيان في شخصية رجل الأعمال عبدالعزيز بن حمود بن سعيد البلوشي، الذي يُمكننا أنْ نُطلق عليه كذلك "متبنِّي الأعراس الجماعية"، وهو لقبٌ يستحقه بامتياز، بعد أن علا نَجمُه هذه الأيام فوق مَشهدِنا الاجتماعي الوطني، كعَلامة فارقة تفتح أبوابَ الزواج لشبابنا، وتدفَع بهم إلى التفكير فيه سنويًّا، وعلى نفقِته الخاصَّة بل وبمُغريات قيِّمة، وبمفاهيم تتجاوز المناطقية والقبلية والوطنية، لتشمل الكينونة الإنسانية في ذاتها المجرَّدة وداخل وطنها.

فكَيف يُمكن توصيف ما يقوم به "تاجر بركاء" تجاه الشباب خاصة والإنسانية داخل وطنه عامة؟ لا يُمكننا هنا إطلاق التوصيفات والمسمَّيات إلا بعد معرفة الواقع الذي يعيشه شبابُنا، ومآلات واقعنا الاجتماعي؛ فمن رَحمِها انبثقتْ هذه الشخصية الإنسانية لكي تحملُ همَّ مرحلة بأكملها داخل وطن بأكملِه، ولكي تُعرِّي أنانية كل مُقتدر يُمكنه أن يخدم مجتمعه، لكنَّه يظل متفرِّجا على أوضاعه وتفاقُم مشاكله، جاءتْ هذه الشخصية في توقيت حسَّاس جدا؛ فالمؤشرات تدعو للانتباه، وتحتِّم طرح مبادرات من الحكومة والأغنياء معًا وفي آن واحد، وهى ناجمةٌ في الأساس عن الظروف المالية الصعبة التي يمر بها مجتمعنا، وتنعكسُ على أجندة أساسية للشباب الذين يشكِّلون أغلبية السُّكان في بلادنا، وكذلك في ظلِّ عدم انفتاح المجتمع تجاه تمكين الشباب من تأمين حقوق أساسية تمسُّ كينونتهم الإنسانية؛ كحقِّ الزواج، وهو حقٌّ قد أعلى من شأنه في خطبة الجمعة فضيلة الشيخ عبدالله الشحري الذي اعتبرَه حقًّا من حقوق الشباب يجب تأمينه لهم.

لَكن، مَنْ يقع عليه العبء في التأمين؟ قد كان هناك إدراك سياسي أصيل لهذا الحق؛ وذلك عندما وجَّه عاهل البلاد -حفظه الله ورعاه- الحكومة بإقامة صندوق للزواج للشباب الذين تقل رواتبهم عن 500 ريال، لكن للأسف لم يرَ هذا الصندوق النور حتى الآن، ولا تزال الحكومة لم تقدِّم تصورا أو تنفيذا له. لنا أن نعرف أنَّ 132 ألف شاب رواتبهم لا تتجاوز 500 ريال عماني، وآخرين يقدَّرون بالآلاف أقل من ذلك الراتب.. إذن، متى سيتمكَّن الآلاف من شبابنا من الزواج بمثل هذه الرواتب؟ وهناك إحصائية رسمية أخرى تكرِّس هذا القلق، وهى تشير إلى انخفاض حالات الزواج؛ فالعام 2016، شهد انخفاضًا في عدد وثائق الزواج بنسبة 6.9% عن العام 2015، وهذا كله في ظل تزايد حالات الطلاق بمعدل 10 حالات طلاق يوميًّا عام 2016، وفي ظل أعداد الباحثين الذين تصل أعمارهم إلى ما فوق 30 عاما، وهم ينتظرون فرصة عمل.. هل تلكم الأرقام ستعني شئيا لمن يهمه أمر المجتمع؟

وهنا نتساءل: إذا لم يسد الشباب غرائزهم بما شرع الله جلَّ في علاه؛ فالخيار الآخر أمامه مُتاح وبسهولة، وسيلجَأ إليه تحت ضُغُوطات الغريزة، وقد أصبحت إثارة الغرائز في كل مكان، ويقع فيها حتى الأكفال، وكذلك في ظل فقدان الأمل في الزواج. ومن هنا، ينبغي أن يتولَّد لدينا الوعي الكامل بمُبادرات البلوشي في حجمِها ونطاقِها وديمومتِها واتساع نطاقها، فقد سخَّره الله -جل في علاه- لهذه المرحلة، وخصَّه بهذا الشرف العظيم، وتشرَّفت بركاء -بوابة الباطنة الواقعة على الشريط الساحلي لبحر عمان- بابنها البار الذي جاء ليُعيد الاعتبار للمنهج النبوي -على صاحبه أفضل الصلاة والسلام- في تيسير الزواج، عبر تعزيزه بآلية دعمه المالي والمعنوي. ومن تابع ليلة الجمعة الماضية، وشاهد كيف حوَّل هذا التاجر ولاية بركاء إلى أفراح عمَّت البلاد كلها، عندما تكفَّل بمصاريف عُرس جماعي لنحو 160 عريسا من مختلف ولايات السلطنة، من بينهم خمسة وافدين مُقيمين في البلاد، مع توزيع هدايا للعرسان: لكل عروسة طقم ذهب "الشبكة"، وللعريس خنجر عُماني.

فمن هو تاجر بركاء؟ وكيف يتفرَّد لوحده الآن بالمشهد الاجتماعي الوطني في أدق أولوية من أولويات الشباب؟ تَوَاصلنا مع مجموعة من الزملاء في بعض ولايات البلاد، للإجابة عن هذا السؤال، لكننا لم نحصل على المعلومات التي تكشف لنا الجوانب الإنسانية لابن بركاء السخي، ولم يكُن في حينها عندنا سوى تلكم المعلومات وصورته التي كانت تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي، لو حلَّلناها، فلن تمنحه ميزة حكمية؛ فالصورة مُختلفة تماما عن الأنماط التقليدية التي تختزنها أحكامنا الذهنية عن كلِّ فاعل خير، فكيف لو "سَخِي جدا" مثل البلوشي، فهو في سِنٍّ صغيرة، وصورته تنتمي للشاب العصري الطموح؛ مما يستبعد عامل السن، وكذلك نمطية الشكلية الدينية المتعارف عليها في العقلية الاجتماعية، ولم نجد لسبر أغوار جهلنا بمعرفة "تاجر بركاء" سوى اللجوء لمحرك البحث "جوجل"؛ فوجدنا فيه ما يضعنا فعلا أمام فكِّ رموز جهلنا المعرفي به، فتجدَّد اكتشافنا مرة أخرى بالعبارة القائلة، إنَّ العبرة ليست دائما بالأشكال ولا العامل السني، وإنما بالجوهر؛ فهو شاب وكُنيته التاجر ومسقط رأسه بركاء، ويستهدف الشباب الذين بدأوا يعزِفون عن الزواج بسبب عِظَم تكاليفه، ووجدنا مشوارَه قد بدأ منذ العام 2009، وما الزواج الجماعي الأخير إلا رقم 9، وقد وصل في بعض مبادراته في الزواج الجماعي إلى 200 عريس، وقرر السنة المقبلة أن يرفع العدد إلى 300 من كل ولايات البلاد.

هنا.. يتجلَّى الفارق الوطني والإنساني في شخصية تاجر بركاء، وهذا الفارق يصنع له رسالة وطنية متفردة في عبورها للكينونات الإنسانية، دون النظر لجماعاتها المحلية ومحركاتها العصبية أو الفئوية أو المناطقية (نكرِّر)، ولم تقتصر أعماله الخيرية على تبنِّي الأعراس الجماعية، وإنما وجدنا من خلال "جوجل" أنَّ له من الأعمال الخيرية الأخرى ما يَجعله فعلًا نموذجًا في نطاق عصره؛ فله الكثير من الأنشطة الاجتماعية الخيرية؛ مثل: رعاية أصحاب الاحتياجات الخاصة واهتمامات الشباب الأخرى، ودعم الخدمات الصحية.

وأفادنا "جوجل" كذلك بأنه بدأ حياته العملية مبكرًا بافتتاح ورشة للذهب في سوق مطرح الشهير، وسرعان ما ازدهرت تجارته فافتتح محلا للذهب في مطرح، وفي العام 1998 أقدم على خُطوة فريدة من نوعها غيَّرت مجرى حياته المهنية، عندما افتتح أكبر مصنع للذهب في مطرح، مكَّنه من اقتحام عالم العمل العقاري من أوسع أبوابه، وتبني -كما يقول "جوجل"- سياسة شراء الأراضي وتطويرها عبر بناء المباني التجارية والسكنية. ومع اتساع رقعة أعماله اتسعت طموحاته، وتميز عن غيره باتخاذ خطوات جريئة عبر شراء أراضٍ في أماكن متفرقة، والمراهنة على نموها وازدهارها، وهو ما حَصل بالفعل؛ إذ تضاعفتْ أسعار بعض عقاراته، مما أحدث نقلة نوعية في طبيعة أعماله، ويفيدنا كذلك "جوجل" بأنه بعد النجاح الذي حقَّقه في بلاده، توسَّعت رقعة استثماراته لتشمل دولاً آسيوية وأوروبية؛ فاللهم زِده خيرًا عميمًا فوق خيراته، وبارك في ثَرَواته، وانفع به البلاد والعباد، وحرِّك في أغنيائنا الغبطة من أفعاله الخيِّرة.

فتصوَّروا أنَّ في كل ولاية، بل في كل محافظة، مثل تاجر بركاء، من المُؤكَّد أن ذلك سيشكل ضمانة حق الزواج، بل ولمجموعة حقوق أصيلة للمواطن تمس جوهرها التحولات في دور الدولة.

فلك يا ابن بركاء كل الشكر، وكل تقدير، وكل الاحترام، من مسندم إلى ظفار، فما تقوم به لهو أجلُّ العبادات تقرُّبا، وأعظمها شأنا بعد الفرائض، بل إنه الروح المتجلية من العبادات، فلما حرَّم الله الزنى، وسد الأبواب الموصلة إليه، شرع في الوقت نفسه الزواج، وبدلا من تيسيره، عُطِّل في مجتمعنا، وعقَّدته تحوُّلاتنا المالية، لكنك يا ابن بركاء البار، أبيتَ إلا أن تكسر قيود التعطيل، وتفك العقد المالية، وتفتح من مسقط رأسك مسيرات الزواج الجماعية، وتلقي الكرة في عدة ملاعب حكومية وأهلية وخاصة، ومن حقِّك علينا يا بركة الخير والإنسانية "ولاية بركاء" أن تتربَّعي على قلوبنا، وأن يكون ابنك نموذجًا للمُثل والقيم العُليا المتجردة، ونستنطقها هنا بصوت مرتفع لعلنا نضع ضمائر أغنيائنا في ولايات السلطنة الأخرى أمام مرآة الأيادي البيضاء لتاجر بركاء، دون أن ينقص من ماله شيئًا، بل يزيد ومعه تتسع مظلته الخيرية وتنتشر، وما رفع حالات الزواج الجماعية إلى 300 حالة العام المقبل، وعلى نفقته الشخصية، إلا مصداقٌ لحديثٍ نبويٍّ شريف عن أبي هُريرة أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ" رواه مسلم. ودون تزكية، فمن حج العام الماضي مع هذه الشخصية يشهد له بصفات التواضع كما تشهد له أعمال الخير بالصدقة، وأثرها على زيادة أمواله.. اللهم زِدها وكثِّرها، واجعل البركة والأثر في صاحبها.