الشرطة.. عين الوطن الساهرة

 

مسعود الحمداني

 

تصادفك أحيانا مواقف عصيبة أحد أطرافها شرطيّ صارم وحازم، قد يؤثر عليك الموقف، لكن حين تعود لهدوئك، وتستدعي بصيرتك وموضوعيتك تجد أنّ الشرطيّ يطبّق القانون بحذافيره، وأنّه محق في مخالفته لك، غير أنّه كان بإمكانه أن يتسامح معك - إنْ أراد- وهذا يعود إلى شخصيته وطريقة أدائه لعمله.

وفي كل الأحوال فإنّ صورة الشرطي القديمة في قصص الأطفال والروايات والتي كان الآباء يخوّفون بها أطفالهم لم تعد كما كانت، وحلّ مكانها صورة شرطيّ جديد لديه قانون واضح يطبّقه، ولديه مساحة من الحوار يمكنك أن تناقشه فيها، ولم يعد الشرطيّ القديم الذي ترسّخت صورته في السبعينيات في الأذهان موجودا إلا في مخيلة البعض، فمن خلال التثقيف الذي توليه شرطة عمان السلطانية لموظفيها، ومن خلال التوعية والإرشاد والرجوع للقانون، استطاع الشرطيون أن يصنعوا صورة أخرى أكثر تلاحما مع المجتمع، بل إنّ الشرطي يتعرّض في وقت الأزمات لضغوط شديدة، ويعمل ليل نهار، ودون هوادة لتأمين سلامة الوطن، ويكون أحيانا ضحية لبعض المتهورين الذين يلقون بأيديهم للتهلكة أيام الأنواء المناخية، خاصة أولئك الذين يعرّضون حياتهم وحياة غيرهم للخطر أثناء عبور الأودية الجارفة، وكم من شرطيّ فقد حياته في سبيل إنقاذ حياة مواطن آخر.

وليس بعيدًا؛ فقبل أيام فقدت الشرطة عنصرين من عناصرها الشجاعة أثناء محاولة التصدي لمتسللين في محافظة ظفار، ورغم صعوبة الموقف لم يتردد الشرطيان في أداء واجبهما، فذهبا شهيدين للواجب، وهذا شاهد إنسانيّ ووطني- رغم مأساته - إلا أنه يُظهر شجاعة وإقدام أفراد الشرطة على حماية المجتمع من الاختراقات الأمنية، ولذلك يحق لكل شرطي أن يفخر بعمله، ويتوجب على كل مواطن ومقيم الافتخار بهؤلاء الأبطال، وعدم الانتقاص من قدرهم.

ورغم كل محاولات ودورات التثقيف الاجتماعي للشرطة، إلا أن هناك أفرادا منهم يطبقون القانون على قائدي المركبات دون أن يغلبوا روحه، وكأن شاغلهم الأول هو كتابة المخالفات، ومع ذلك فهم يطبّقون القوانين بنصها دون أن يعطوا مساحة لروح القانون - كما أسلفت- ولا يتقبلون عذرا للآخرين، ولا يمكنك أن تجادلهم لأنهم على حق على كل حال، فدفتر المخالفات في يد، والقلم في يد.. ولذا نأمل أن تكون هذه الفئة من الشرطة بنفس أداء الفئة الأخرى الأكثر تسامحا والتي تطبّق القانون ولكن بابتسامة عريضة، وتوضيح لنوعية المخالفة، ونصيحة بعدم تكرارها.

لقد أصبحت شرطة عمان السلطانية بعد ثمانية وأربعين عاما، ـ وبجهود مخلصة من قادة متعاقبين على قيادتها ـ مثالا يحتذى في النظام، وتطبيق القانون، وخير مثال على ذلك الإدارات الخدمية منها مثل: (المرور والأحوال المدنية والهجرة والجوازات) وهي الإدارات الرئيسية التي تتعامل مع الناس، مع حفظ حقوق الإدارات الأخرى التي تعمل هي الأخرى ليل نهار في سبيل خدمة الوطن وحماية المواطن، ويضحي أفرادها بحياتهم لحماية الوطن من خطر المخدرات والممنوعات والتهريب والتسلل، فهذه السلسلة الشرطية تتطور في أدائها، ومهامها، وأهدافها، ولذلك على الجميع تقدير هذه الجهود النبيلة التي تبذلها، وألا نقف أمام بعض الهفوات البشرية التي يرتكبها بعض أفرادها، بل إنني على يقين أنّ المسؤولين في تلك الإدارات يستمعون جيدا لأي شكوى قد تصلهم من الجمهور، ويتعاملون معها بكل جدية وصرامة.

تحيّة إكبار وإجلال لشرطة عمان السلطانية فردًا فردًا في يومها الأغر والذي صادف يوم أمس الخامس من يناير.. وإلى مزيد من العطاء في خدمة هذا الوطن العزيز.