آليَّات الإحلال

خلفان العاصمي

سأكمل في هذا المقال ما بدأت طرحه في مقال الأسبوع الماضي حول موضوع الباحثين عن عمل، وهذه المرة سأركِّز على نقطة تم تداولها كثيرا -سواء من قبل الباحثين عن عمل أنفسهم، أو المتابعين لموضوعهم من مختصين أو من العامة- وهي عملية إحلال العمالة الوطنية بالعمالة الوافدة، التي تُشكل أرقاما كبيرة بالكثير من مؤسسات القطاع الخاص، وفي وظائف متفاوتة تبدأ من أبسطها إلى الإدارات العليا والرئاسة التنفيذية  في بعضها.

الإحلال موضوع ليس بالجديد، وأخذ من الحديث ما أخذ، لكن هذه المرة يجب على الجهات المعنية أن تأخذه بعين الجد، وأن تُصاغ القرارات الحاسمة له من قبل صناع القرار، وفق مبدأ لا ضرر بمصلحة المواطن الباحث عن عمل ، ولا ضِرار بعمل المؤسسة التي هي بالتالي شريكٌ أساسي في التنمية الاقتصادية بالسلطنة، فالإضرار بها إضرار بجزء من مكونات التنمية.

وقد بثَّ تليفزيون السلطنة عبر مركز الأخبار، نهاية الأسبوع الماضي، تقريرًا حول موضوع الباحثين عن عمل، حمل معلومات من المهم التوقف معها، وطرح التساؤلات حولها؛ لعل أبرزها: عدم تجاوب بعض مؤسسات القطاع الخاص مع عمليات التوظيف في ظلِّ ما تبذله الحكومة من سعي نحو أن يقوم كلٌّ بدوره في مجال استيعاب الباحثين عن عمل من المواطنين، ولعل توجيهات مجلس الوزراء بتوفير خمسة وعشرون ألف فرصة عمل، جاءت بناء على حرص جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- لرعاية الشباب العماني، وتنمية قدراتهم، وتوفير كافة سبل العيش الكريم لهم، إلا أنَّ الجهات المعنية عن عملية استيعاب هذا العدد عليها مُواصلة تقديم كافة المعلومات بشفافية، فيما يتعلق بالمؤسسات المتجاوبة من غيرها، ورفع تقارير واضحة ومفصلة لمجلس الوزراء من أجل الوقوف على عدم تجاوبها، ومن ثمَّ اتخاذ الإجراءات المناسبة؛ كون هذه المؤسسات تعمل على الأرض العمانية، وتستفيد من كافة التسهيلات والفرص المقدمة لها من قبل الحكومة؛ وبالتالي من الواجب عليها دعم المواطن العماني وتشغيله وفق المتاح لديها وبما بتناسب مع مؤهلاته وقدراته.

عملية الإحلال ليستْ بالعملية السهلة، إذا ما تمَّ إقرارها، لكنها أيضا ليست بالمستحيلة أو المعقدة، حيث إن الموضوع يحتاج لبعض المتخصصين في ذلك، وإن كان بعضهم قد طرح أفكارا ستكون فاعلة لو طُبقت كالإحلال التدريجي الذي يبدأ من الوظائف البسيطة التي لا تتطلب قدرات عليا من المعرفة والمهارة، وصولا للوظائف العليا، فيما رأى البعض أهمية وجود قوانين تُلزِم مؤسسات القطاع الخاص بالإحلال التدريجي مع رفع نسب التعمين بشكل تصاعدي وفق الكثافة العمالية لكل مؤسسة، وطَرَح آخرون فكرة الإحلال المقرون بالتدريب والتأهيل؛ من خلال قيام الحكومة بتوجيه مؤسسات التدريب نحو تنفيذ خطط وبرامج تدريبية وتأهيلية للباحثين عن عمل؛ تمهيدا لشعلهم وظائف تتناسب مع قدراتهم ومؤهلاتهم الدراسية بعملية مقرونة بجدول زمني للإحلال. وكُنت قد طرحت استبيانًا عبر منصَّة "تويتر" حول متطلبات التدرج في عملية الإحلال، وصوَّت الأغلبية على أهمية الحصول على المؤهل المناسب والتدريب على الوظائف المعروضة للإحلال، فيما جاءت النسبة الثانية من التصويت للمؤهل المناسب والخبرة.

ويعوِّل الباحثون عن عمل على الجهات الرقابية والتشريعية الكثير من أجل مُساندة مطالبهم فيما يخصُّ عملية الإحلال؛ من أجل توفير فرص عمل لهم، ولعل مجلس الشورى هو المعني؛ حيث يبقى على لجنة الشباب والموارد البشرية بالمجلس الدور الأهم في السعي لذلك، ولعلَّ المتابع للتصريحات الصحفية لرئيس اللجنة أو أعضائها يتلمس قربهم من الموضوع، وسعيهم لإيجاد رؤية توافقية بين الجهات المسؤولة عن ذلك ومؤسسات القطاع الخاص.

تعليق عبر الفيس بوك