التوظيف وإشكاليات القوى العاملة

 

حميد بن مسلم السعيدي

العمل هو من أبرز الواجبات الوطنية التي ينبغي على المواطن أن يقوم بها في خدمة وطنه، بعد أن حصل على كافة حقوقه من التعليم والرعاية بكافة جوانبها، وعندما أصبح مؤهلا ويمتلك كافة المهارات والقدرات التي تؤهله للقيام بدوره، يأتي دور الحكومة في توفير حق العمل له كأحد وأهم حقوق المواطنة الاقتصادية، والتي تؤكد أنّ لكل مواطن الحق في الحصول على وظيفة للعمل فيها سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، وعلى الحكومة أن تصيغ القوانين وتعمل على تنفيذها من خلال التدخل في هذه مؤسسات القطاع الخاص.

لذا جاءت الاستراتيجية الوطنية للتعمين كأحد أهم هذه الحقوق والتي تسعى من خلالها الحكومة إلى توفير الوظائف للشباب العماني، والتي بدأت عام 1988 وهدفت إلى تمكين العمالة الوطنية من العمل في سوق العمل الحكومي والخاص، والعمل على التقليل من نسبة العمالة الوافدة حيث تحل محل القوى البشرية الوطنية، واليوم أكملت الخطة عشرين عاماً بالضبط، في حين لم تتجاوز نسبة التعمين بالقطاع الخاص أكثر من 14,8% تقريبا، مما يضعنا أمام مجموعة من التساؤلات عن دور المؤسسات المعنية بتنفيذه هذه الاستراتيجية هذا إذا علمنا أنّ هناك طفرة كبيرة حدثت في ازدياد القوى الوافدة، وحتى نوضح للرأي العام ذلك نتجه لتحليل النشرة الإحصائية التي يصدرها المركز الوطني للإحصاء لشهر ديسمبر 2018.

ففي فترة من الفترات تمكّنت القوى العاملة من فرض ذاتها وتعمين العديد من المهن والوظائف في القطاع الخاص، وتمكن المواطن العماني من استعادة نفسه بين القوى الوافدة، حيث استطاعت الحكومة توجيه القطاع الخاص لاستيعاب المواطنين، ولكن عندما تغيرت المصالح تراجعت نسبة التعمين، وعادت مهن بعينها من جديد إلى الوافدين. هذا الأمر يوضح بما لا يدع مجالاً للشك أنّ الحكومة قادرة على معالجة قضية الباحثين عن العمل، لكن هناك حاجة إلى تنفيذ القانون والإشراف عليه، فالكثير من دول العالم تسعى إلى توفير هذا الحق للمواطنين، ولا يمكن أن تسمح بتحكم وسيطرة الأيدي الوافدة على هذا القطاع الحيوي، لذا ينبغي الفصل في هذا القضية بين المصالح الاستثمارية والاستفادة من خيرات الوطن، دون أن تعود الفائدة على المواطن الذي ينبغي أن يمتلك الحق في التوظيف، خاصة أنّ القضيّة أخذت منحى يكشف أمراً بحاجة إلى المراجعة والتحليل. فكيف تمكنا من تعمين الكثير من المهن في فترة ما قبل 2010، ويومها توجد قلة في الأيدي العمانية المهارة، واليوم بعد فتح المجال للدراسة في مختلف المجالات والقطاعات المهنية في المؤسسات الأكاديمية بصورة أكثر من السابق، نجد التراجع الواضح وفقا للإحصائيات في الاستراتيجية الوطنية للتعمين. والإحصائيات والحقائق تكشف لنا هذه التناقضات؛ حيث بلغ عدد العمانيين العاملين بالقطاع الخاص والمؤمن عليهم لعام 2017 عدد 238688 مواطنا ومواطنة، وارتفع هذا العدد ليبلغ في عام 2018 عدد 250717 مواطنا ومواطنة؛ حيث بلغت الزيادة السنوية في العمالة الوطنية التي تمّ تسجيلها في القطاع الخاص 12040 بزيادة سنوية بلغت 4.4%، وهذا الرقم لا يتفق مع الإحصائيات التي نشرتها القوى العاملة، مما يضع مجموعة من التساؤلات مدى دقة الأرقام المنشورة والتي تتحدث عن رقم يتجاوز ذلك بالكثير، حيث بلغت نسبة التعمين تقريبا 14,8، وهي نسبة لا تتفق مع الاستراتيجية الوطنية للتعمين. فبعد كل هذه السنوات من العمل الوطني، ودعم الاستثمار وتوفير كافة الإمكانيات لإقامة المشاريع والاستفادة من خيرات الوطن، نجد أنّ هذا القطاع غير قادر على استيعاب الباحثين عن العمل والتي لا تشكل نسبتهم أكثر 2.3% من حجم العمالة التي تشغل هذه القطاع، وهي الفئة التي تمتلك الحق الأول في عملية التوظيف.

وحتى نؤكد ذلك فإنّ الإحصائيات تكشف عن أرقام ضخمة تتعلق بتواجد العمالة الوافدة، حيث بلغ عدد العاملين الوافدين بالقطاع الخاص لعام 2017 نحو 1502808 عاملا وافدا، وانخفض هذا العدد في عام 2018 ليبلغ 1444405 عاملا وافدا بنسبة انخفاض بلغت 4.2%، ولكنهم يشكلون ما نسبة 85,2% من حجم العمالة بالقطاع الخاص. والقارئ لهذه الإحصائيات يُصدم بالبيانات التي تتضمنها والتي تكشف حقائق لا تتوافق مع مصلحة الوطن؛ حيث يبلغ عدد العمالة الوافدة التي تعمل بالقطاع الحكومي والخاص والعائلي والتي لديها مستوى علمي للثانوية وما دونها 1634809 عاملين أي بنسبة 91% يعتبرون من الفئة غير الفنية أو المتخصصة، ولا يحملون شهادات فنية. في حين يبلغ حملة الدبلوم والجامعي 158484 عاملا أي بنسبة 9%، وهذا يعني أنّ معظم الوافدين غير مختصين ولا يحملون شهادات علمية. وهنا يظهر التناقض في عملية التوظيف؛ حيث يبلغ عدد العمالة التي تعمل في مهن تتطلب شهادات مهنية وعملية متخصص 171518 منهم 13034 لديهم مستوى علمي دون الثانوية، كما تكشف الإحصائيات أنّ عدد مديري الإدارة العامة والأعمال يبلغ عددهم 37334، وهو رقم ضخم إذا ما علمنا حجم الرواتب التي تستلمها هذه الفئة، في حين أنّ الوطن يمتلك من الكفاءات القادرة على تولي هذه المناصب العليا بمؤسسات القطاع الخاص. وتظهر الإحصائيات أنّ عدد الاختصاصيين في المواضيع العلمية والفنية والإنسانية وهو المستوى الثاني في الوظائف ذات الرواتب العالية يبلغ 78290، وهو رقم كبير بالنسبة لهذه المستوى، يفوق عدد العمانيين الباحثين عن العمل. وهذه الأرقام الكبيرة في العمالة الوافدة تقابله ما يبلغ 45 ألف باحث عن عمل، وعندما نقيس ذلك بنسبة العمالة الوافدة نجد أنّ هذا الرقم يمثل 2.3%، مما يجعلنا نسأل أنّ هذه النسبة القليلة جداً لا تستطيع وزارة القوى العاملة توفير وظائف لهم أمام مليون وخمسمائة ألف وافد يعملون في القطاع الخاص ويسيطرون على أغلب موارده وخدماته، مما يوضح بما لا يدع مجالاً للشك أنّ هناك إخفاقا في تطبيق الأنظمة والقوانين من قبل الجهات والمؤسسات الحكومية المعنية بالإشراف على هذا القطاع، الأمر الذي ينبغي معه إيجاد الحلول وإصدار القرارات العلاجية حتى لا يخسر الوطن القوى البشرية والموارد المالية التي تذهب للخارج، فنحن أمام مرحلة مهمة في البلد وينبغي التعاطي والتعامل معها وفقا للمصلحة العامة، فإجراء إصلاحات ببعض المؤسسات غير القادرة على تنفيذ التوجيهات والقرارات الحكومية أمر نحتاج إليه من أجل الاستفادة من الكفاءات الوطنية المخلصة.