فن التعامل مع المرضى النفسيين‎

 

فيصل بن زاهر الكندي

 

إذا كنت بصحة جيدة فاشكر الله تعالى على هذه النعمة العظمى فهناك من يعاني من أمراض نفسية تصعب عليه التحكم بنفسه والتعامل مع من حوله، مما سبب ردة فعل سلبية لدى البعض تجاه هذا المبتلى لا لسبب إلا لأنهم ينظرون إليه بأنه لا قيمة له في المجتمع.

ولد (س) بحالة نفسية صعبة ونشأ على ذلك إلى أن كبر وللأسف تعاملت معه أسرته على أنه "مجنون" فاقد للعقل فكانت تعاملاتهم معه تتسم بالقسوة والمهانة تفتقد للإنسانية والرحمة فبدأ (س) يتصرف على أنّه مجنون فعلا لأنه يرى المجتمع من حوله كلهم بصوت واحد يصرخون في وجهه ولسان حالهم (أنت نكرة !!).. قررت الأسرة أن تلحقه بإحدى مدارس دول الخليج ليتم تأهيله وعلاجه وفعلا ذهب وعندما عاد كان بصحة جيدة مقبولة ويتعامل مع الآخرين بطريقة جيدة مقبولة ولكن ماذا حصل بعد ذلك؟

بدأت الأسرة تتعامل مع (س) بنفس الطريقة السابقة على أنه ناقص العقل ومختلف عن الآخرين فبدأت الأحاسيس السابقة تعود إليه وتحطم نفسيا واجتماعيا حتى أنهم لقبوه بلقب سيء ينادونه به ويؤنبونه ويستهزئون به أمام الناس حتى يحس المشاهد أنّه لا فرق بينه وبين البهائم إلا أنّه بشر يريد أن يعيش ويثبت وجوده بينهم ويضع بصمته في الحياة ولكنه كان في الموقع الخطأ وفقد الأمل.

ما الذي يدفع البعض إلى التعامل مع المريض نفسيا على أنه "نكرة" في المجتمع لا قيمة له هل هو بنفسه جلب لنفسه هذا المرض؟ هل هو يحب أن يكون بهذه الحالة؟ ما هو موقف الواحد منا لو ابتلاه الله تعالى بمثل ما ابتلى به هذا الشاب المسكين هل سيرضى لنفسه أن تسخر منه أسرته ومجتمعه فعلا إنه لموقف عصيب يتطلب منا أن نراجع أنفسنا في كيفية التعامل مع المرضى النفسيين.

إن المريض نفسيا بشر مثلنا ويحمل عواطف وأحاسيس إنسانية تماما كما نحملها نحن ويجب أن نتعامل معه على أنه ليس بمريض بل شخص عادي حاله كحالنا وألا نجعله يحس بأنه مختلف عنا ويحتاج لمعامة خاصة بل نتحدث معه كما نتحدث مع الآخرين ونتعامل معه كما نتعامل مع الآخرين هذه المعاملة تجعله يحس بأنه بشر عادي ولا يختلف عن الآخرين مما يعطيه الحماس للاندماج في المجتمع والتأقلم معه بل لتكون له بصمة ووجود قوي في محيطه وبيئته فقط لو وجد التعاون والتشجيع ممن حوله.

لا ينكر أحد بأنّ هناك استغلالا سلبيا من قبل البعض للمرضى النفسيين ومن هنا يتحتم على الأسر مراقبة المريض أو المريضة نفسيا وعدم السماح له أو لها بالتجول في الشوارع دون رقيب فقد تدهسه سيارة أو يقع في شباك شياطين الإنس بل من حقه عليهم أن يعالجوه وإن لم يملكوا المال اللازم لذلك تتولى الجهات المعنية تكاليف علاجه وتأهيله على الأقل ليحمي نفسه ويحتك مع المجتمع وتكون له صنعة أو عمل يترزق منها.

يجب أن يكون هناك تعاون بين المجتمع والمرضى النفسيين وأن تكون المعاملة معهم طبيعية تماما كما نتعامل مع الطفل على أنه كبير وليس صغيرا لنغرس فيه المسؤولية وإثبات الوجود وألا يكون تعاملنا معهم على أنهم مجانين لا فائدة ترجى منهم وأنهم لا محل لهم من الإعراب وبأن العالم في وادٍ وهم في وادٍ آخر.

حقا إن القلب ليتألم حين نرى بعض الناس في المجالس يستغلون وجود المرضى النفسيين لاستفزازهم وإضحاك الناس عليهم وإظهارهم على أنهم مهرجون وتصرفاتهم تثير الضحك. يجب أن يغير هؤلاء هذا النمط من التعامل مع المرضى النفسيين وأن يكون تعاملهم معهم بإنسانية ورحمة.. يجب أن تكون معاملتهم معهم معاملة بناءة تشجيعية فالذي ابتلاهم بهذا قادر على أن يشفيهم ويبتلي آخرين. فلنحمد الله تعالى على نعمة الصحة العقلية.