الهند في المتخيل العربي القديم

 

محمد علي العوض

بعد نحو ثلاثة قرون من الاحتلال البريطاني لم يتوقع أقل المتفائلين أن تصل الهند المستقلة عام 1947 إلى ما وصلت إليه اليوم من تقدم تقني وصناعي واقتصادي، يهدف إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي من 2.3 تريليون دولار إلى 5 تريليونات دولار بحلول 2025؛ مع توقعات بأن ينتقل إلى المرتبة الرابعة عالميًا من حيث الحجم مع حلول العام 2022.

التواصل العربي/ الهندي قديم قدم الجغرافيا وتاريخ شعوب المنطقتين، حيث تعود العلاقة بين الجانبين إلى قرون ما قبل الإسلام، فلقد عرف العرب الهند في الجاهلية من خلال الرحلات التجارية البحرية التي كانت سفنهم تنقل خلالها البضائع المتبادلة بين الجانبين. مما أتاح لهم لعب دور الوسيط التجاري ما بين حوض البحر الأبيض المتوسط وبلاد الهند، فقد كان العرب يأتون من الهند بالبهارات والقهوة والفيلة والنمور وجلودها، والياقوت، وخشب الصندل الأبيض، وخشب الأبنوس.

ويزخر الشعر العربي بما يدل على معرفة العرب بالهند كنوع الأقمشة المجلوبة منها والسيوف الهندية كقول الشمّاخ بن ضرار يفخر بنفسه:

إنّ الضرّاب ببيض الهند عادتنا ** ولا نعوّد ضرباً بالجلاميد

وقول الأعشى:

في فتية كسيف الهند قد علموا ** أنْ هالكٌ كل من يحفي وينتعل

أصابه هندواني فأقصده ** أو ذابل من رماح الخط معتدل

وأيضا كانت حاضرة في كتب التراث العربي ففي "البيان والتبيين" للجاحظ نقرأ حديثا عن الهند والهنود؛ فقد حكى الجاحظ أنّ معمرا أبا الأشعث قال: قلت لبلهة الهندي: ما البلاغة عند أهل الهند؟ فقال بهلة عندنا في ذلك صحيفة مكتوبة لا أُحسن ترجمتها لك ولم أعالج هذه الصناعة".

وفي عصر حركة الترجمة إبّان عهد الخليفة العباسي المأمون تمّ استدعاء العلماء والحكماء الهنود إلى بغداد وتُرجمت العديد من الكتب الهندية في مختلف العلوم ككتاب "السند هند" و"حكايات ألف ليلة وليلة" و "كليلة ودمنة". كما وقف العرب القدماء على جانب من حضارة الهند وأخبارها، ومظاهرها الثقافية عن طريق المدارس العلمية في أرض الرافدين التي كانت على اتصال وثيق بالهند، ويأتي إليها علماؤها، وقد تخرّج على أيدي الهنود بمدرسة جنديسابور الساسانية فريق من العرب؛ منهم الحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب.

وفي ذلك العهد تكثفت العلاقة بين الطرفين بشكل أعمق؛ فبموازاة تبادل المنافع التجارية وتدقق الهجرات، تبادل الخلفاء والسلاطين المسلمون مع ملوك الهند الرسائل والهدايا والسفراء، وكانت ترد إلى الخليفة المأمون وهارون الرشيد والمنصور وغيرهم الهدايا والكتب من تلك البلاد، وأول كتاب وفد إلى بلاط الخلافة أيام المنصور العباسي هو كتاب "ابراهما سدهانتا" الذي تذكره الكتب العربية باسم "السند هند"، هذا بجانب كتب كثيرة في شتى المجالات من بينها مثلا كتاب "سشرت سنهتا" الذي يعد أول كتاب للطب الهندي تمَّت ترجمته إلى العربية.

الأرقام الهندية

نقل العرب إلى اللغة العربية الأرقام الهندية (من 1 إلى 9) وكانت الأعداد قبل ذلك تكتب في بلاد العرب وغيرها من البلاد الأخرى بالأحرف، وتُسمى بالأرقام الهندية، قبل أن تنتقل إلى أوربا عن طريق الأندلس فتسمّيها أرقاماً عربية؛ استنادا إلى أنّ الرياضيات وصلت إلى أوربا من العرب. وكان أول من تلقّى العلم على هذه الأرقام الهندية من العرب هو أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي؛ والذي أطلقت أوربا على ما برع فيه من فرع خاص بالحساب باللوغريثمات Algorism.

أمّا علم الفلك عند العرب فقد جاء من الهند، ومصدره الأول كتاب سنسكريتي معروف باسم "برهم سداند" ألفه "برهم غبت" وأهداه إلى الملك الهندي "دياكر موكا" قبل أن يصل الكتاب إلى بغداد.

  • الجغرافيون والرحالة العرب

كتب الرحالة والجغرافيون العرب كثيرا من المؤلفات التي تناولت رحلاتهم وأسفارهم في بلاد العالم من بين ذلك كتاب "رحلة السيرافي" التي كتبها أبو زيد السيرافي ناقلا فيها رحلات تاجر اسمه سليمان بين الصين والهند، وتطرق فيه لعادات الهنود وحياتهم وما تتميز به بلادهم من مشاهدات وأخبار؛ حيث نشاهد في هذا الكتاب قصصًا عن بحر يأجوج ومأجوج (بحر الهند) وأنواع سمكه، والخليج العربي وما حوله من مدن وبحار متفرعة من بحر الهند، ومحل هبوط آدم، والمعادن الثمينة الموجودة فيها ووصف ملوك الهند، وشعرائها وعبادها كقوله: "وللهند عُبّاد وأهل علم يعرفون بالبراهمة، وشعراء يغشون الملوك، ومنجمون وفلاسفة وكهّان، وأهل زجر للغربان وغيرها، وبها سحرة وقوم يظهرون التخاييل ويبدعون فيها".

ونجد في كتاب "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" للمؤرخ شهاب الدين أحمد بابا كاملا للحديث عن مملكة الهند والسّند ويصفها بانها: "... مملكة عظيمة الشأن، لا تقاسُ في الأرض بمملكة سواها لاتساع أقطارها، وكثرة أموالها وعساكرها، وأبهة سلطانها في رُكوبه ونزوله ودست ملكه، وفي صيتها وسمعتها كفاية، ولقد كنت أسمع من الأخبار الطائحة والكتب المصنفة ما يملأ العين والسمع، وكنت لا أقف على حقيقة أخبارها، لبُعدها منا، وتنائي ديارها عنّا، فلما شرعت في تأليف هذا الكتاب، وتتبعْت ثقاة الروَاة، وجدت أكثر مما كنت أسمع، وأجَلُّ مما كنتُ أظن، وحَسبكُ ببلاد في بحرها الدُر، وفي برِّها الذهَب، وفي جبالها الياقوت وَالمَاس، وفي شعابها العود والكافور، وفي مدتها أسرة الملوك، ومن وحوشها الفيل والكركدن، ومن حديدها سيوف الهند، وبها معادن الحديد والزئبق والرصاص، ومن بعض منابتها الزعفران، وفي بعض أوديتها البلور، خيراتها موفورة، واسعارها رخية، وعساكرها لا تعد وممالكها لا تُحد".

وقال عنها محمد بن عبد الرحيم الأقليني الغرناطي في مؤلف "تحفة الألباب": "وأهل الهندْ أعلم الناس بأنواع الحكمة

والطبْ والهَندسة والصناعات العَجيبة التي لا يقُدر على منالها، وفي جبالهم وجزائرهم ينَبتُ شجر العُود والكافور وجَميع أنواع الطيب كالقرنفل".

وقد حكى ابن عبد ربه في العقد الفريد أن ملك الهند بعَث إلى عمر بن عبد العزيز كتابا خطّ فيه: (من ملك الأملاك الذي هو ابن ألف ملك، والذي تحته ابنة ألف ملك، والذي في مربطه ألف فيل، والذي له نهران ينبتان العود والألوّة والجوز والكافور، والذي يوجد ريحه على مسيرة اثني عشر ميلا، إلى ملك العرب الذي لا يشرك بالله شيئا. أما بعد، فإنّي قد بعثت إليك بهدية، وما هي بهدية ولكنّها تحية؛ قد أحببت أن تبعث إليّ رجلا يعلّمني ويفهمني الإسلام.. والسلام).

ويروى كثير من العلماء أنّ تاريخ وصول العرب إلى الهند يرجع إلى زمن آدم عليه السلام الذي هبط في جنوب الهند، حيث يقول الندوي إنّ آدم عليه السلام هبط من جنة السماء إلى سيلان (سريلانكا) والتي كانت جزءًا من الهند آنذاك، وهذا ذات ما أورده السيوطي في كتابه "الدر المنثور في التفسير بالمأثور".