الباحثون عن العمل.. العقدة والحل

حمود بن علي الطوقي

يحتل موضوع الباحثين عن العمل الاهتمام الأكبر من قبل الحكومة والقطاع الخاص، ولا يزال يتصدر المشهد؛ نظرا لزيادة أعداد الباحثين عن عمل وعدم وجود حلول مرضية تخدم أطراف العلاقة.

فقبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن بدأت تظهر هذه المشكلة على السطح عندما كان عدد خريجي شهادة الدبلوم العام لم يتجاوز العشرة آلاف طالب وطالبة، وقتها كانت الحكومة تفكر في انتقاء المتفوقين وإلحاقهم بالدراسات الجامعية وتوزيع بقية الطلبة على المؤسسات التعليمية والمعاهد التدريبية بغية إلحاقهم بقطاع سوق العمل في مهن مختلفة وكان التركيز على المهن الفنية.

هذا المشروع لم يلقَ النجاح وخسرت الحكومة الملايين بعد أن أسندت المناقصات لمعاهد محددة وأعطيت الملايين من أجل تدريب المواطنين وإلحاقهم بسوق العمل، حيث اعتبرت الحكومة أنّ برنامج NVQ هو العصا السحرية لحل مشكلة الباحثين عن العمل واستفادت بعض المعاهد التجارية التي أنشئت آنذاك لهذا الغرض، واستفادت من الدعم الحكومي السخي وأغلقت أبوابها بعد فشل المشروع ولم يحقق النجاح المنشود في توظيف العمانيين. كانت الحكومة آنذاك تبحث عن حلول وفِي كل عام تتفاجأ بزيادة الأعداد وعدم قدرة القطاع الخاص على استيعاب الأعداد المتزايدة من الكوادر الوطنية التي تتخرج من الكليات والجامعات، وحتى تلك التي تكتفي بالتعليم المتوسط. وفِي المقابل كنّا نرى النمو المُتسارع للقطاع الخاص وتوسيع رقعة المشاريع ودخول المئات من العمالة الوافدة السوق لإدارة هذه المشاريع التي تركزت على المشاريع الإنشائية، فقامت الحكومة ممثلة بوزارة القوى العاملة بالضغط على القطاع الخاص وفرض نسب التعمين كجزء من الحل لإلحاق الشباب العُماني في سوق العمل، وتعديل بعض القوانين المتعلقة بتشغيل الوافدين وفرض القوانين الملزمة للحد من سيطرة المدير الوافد الذي كان يعتبر حجر عثرة لدخول المواطن سوق العمل.

تنبّهت الحكومة ممثلة بوزارة القوى العاملة واللجان المشكلة لمسألة زيادة نسبة الباحثين عن العمل، وأصدرت مجموعة من التعليمات والقوانين من بينها أهمية وجود المواطن العُماني في أعلى السلم الوظيفي كونه الأجدر والأنسب في تعيين المواطن، رغم الضغط على القطاع الخاص إلا أنّ المشروع لم ينجح وظل القطاع الخاص يبحث عن مصالحه وأرباحه ويضع عقبات أمام توظيف العمانيين كون أنّ الموظف العُماني مُكلّف وغير ملتزم. وروّج القطاع الخاص لظاهرة عدم التزام العُماني بالعمل وبالقوانين، وتارة بعدم الانضباط حتى التصقت به مثل هذه الصفات، ليتصدر المشهد الوافد المخلص الذي يعمل دون ملل أو كلل أو تذمّر.

ظلّت الحكومة تبحث عن الحلول وصدرت الأوامر السامية بعقد ندوات تشغيل العمانيين وكانت تقام على هامش الجولات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه-.

كانت عقب كل ندوة أو ورشة ومؤتمر تصدر حزمة من التوصيات التي تؤكد اهمية إعطاء المواطن الفرصة لدخول سوق العمل وأهمية فرض حلول جذرية لتضييق الفجوة بين أعداد الوافدين والمواطنين، ولكن ما نراه أنّ الهوة تتسع عامًا بعد عام.

على مدار العقدين وربما أكثر كتبت العشرات من المقالات وكنت أناقش القضية بنظرة إعلامية بحتة وندخل في سجال عندما تلوح المشكلة ويتم عقد لقاءات صحفية بدعوة من معالي وزير القوى العاملة الذي يرى من الواجب عليه أن يشرح بشفافية تلك الجهود التي تبذل من قبل الحكومة لتوظيف العمانيين ويقدم أرقاما وحقائق عن آخر الإحصائيات؛ وتظهر أن هناك ازديادا في نسب الباحثين عن العمل، ويرجع ذلك بسبب المخرجات الدراسية بمختلف التخصصات.

في كل مرة عندما تظهر مشكلة الباحثين عن العمل يتدخل حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- حفظه الله- ويعطي أوامره بتوظيف العمانيين.

نقرأ من خلال متابعتنا لهذه القضية أن هناك قناعة لدى الحكومة أن الوظائف متوفرة ولكن في المقابل هناك عزوف وانتقاء من قبل الشباب لهذه الوظائف. في المقابل نرى أن هناك رد فعل صريح من قبل الباحثين ويقولون إن المئات ينتظرون الفرصة لأية وظيفة ومهما كان نوعها، لكن لا توجد جدية في التوظيف.

اعتقد أنّ هذه المشكلة ستظل ترهق كاهل الحكومة وسيظل التجاذب في لغة الحوار مستمرا وستتصدر الهاشتاجات منصّات التواصل الاجتماعي، ولن يقتنع الباحث عن العمل إلا بوظيفة تتناسب مع مؤهله العلمي.

شخصيا أجدني أقف مدافعًا عن الشاب العُماني الطموح وقد أثبتت التجارب نجاحه في مختلف مشارب العمل وأرى أنه الأجدر بقيادة القاطرة في أي مؤسسة ينتمي إليها وغير صحيح أنّه غير منتج أو غير ملتزم، فهذه شعارات يروج لها أصحاب المصالح لكي تلصق هذه التهمة بكوادرنا الوطنية.

صحيح أننا نعيش أزمة اقتصادية بسبب التدهور في أسعار النفط كونه المصدر الأقوى في الدخل الذي نعتمد عليه وصحيح أنّ الحكومة تسعى للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر، لكن يجب أن نعترف أنّ هناك مشكلة حقيقية أصابت اقتصادنا ولابد من معالجتها بشكل سريع.

اعتقد أنه آن الأوان أن نبحث عن أبجديات الحوار الهادف ونضع الأمور في مسارها الصحيح؛ وسنجد أنّ الحلول ممكنة وسهلة المنال، وأن العلاج موجود وفِي المتناول؛ لكنّه يتطلب وجود طبيب ماهر قادر على كتابة الوصفة العلاجية وبتر الورم المتسبب في هذا الوباء المُزمن.