هكذا تَعلمتُ مِن الحياةِ


محمد عبد العال | مصر

أكتبُ هذه الأسطرَ بعد أن اَتمَمْتُ عامِيَ الثاني بعد الثلاثينَ بيومين ، مرحلةُ منتصفِ العُمرِ كما يحلو للبعضِ أن يُسَمّيهَا و لكن تلك الأعوامُ التي خلَتْ قد مررتُ فيها بتجاربَ شتّى على كلِّ المستوياتِ، أزعمُ أنّني كنتُ محظوظاً في أغلبها، ولم يحالفني التوفيق في جزء آخر ولكن.. تعلمت في تلك السنوات " أن ما قدّره الله لنا أفضلَ بكثير جدا مِمّا أردناهُ لأنفُسِنا "، ولو علِمْنا الغيبَ لاخترنا الواقعَ فعلاً.
تَخرّجَ أخٍي الأصغر من الثانويةِ العامةِ بمجموعٍ ضئيلٍ فسلك طريق المحاماة فكان خيرا من كثير ممن أعرفُ مِن خِرِّيجي - كلياتِ القمةِ - زعموا
تعلمتُ أنّ السعيَ أحدَ أهَمِّ أدواتِ النجاحِ إن لم يكن أهمَّها... "كنتُ أخدمُ ضابطاً في الجيشِ و كنتُ قُبَيْل إنهاءِ خِدمَتي أتابعُ المجموعاتَ المختصةَ بوظائفِ المهندسينَ و نِقاشاتِهم و كنتُ أرى الدنيا - بأعينهم - سوداءَ قاتمةً لا وظائفَ و لا تعييناتَ و لا شيء ، وبعد تَخرُّجي فقط سعيتُ فهيَّأَ الله لي من الوظائف ثلاثا في آن واحد أنتقي منها أنّى شئتُ فـ "على المرءِ أن يسعى و ليسَ عليهِ إدراكُ النّجاحِ".
تعلمتُ أن لا أنتقصَ مِن قدرِ من لا أعرفُ قَدْره و لا أُعَيَّرُ أَحداً بشيءٍ لا يستطيعُ له دفعاً... كنتُ في المرحلةِ التمهيديةِ بكليةِ الهندسةِ فرأيتُ موقفين عجباً؛ أوّلُهما كُنّا في ما يُسمى بالسكشن وأَرَدتُ أن أستوثقَ من مُدَرّسِ المادةِ عن بعضِ ما التبسَ عليَّ فيها وبعد أن انتهيتُ من سؤالي، همسَ شخص بجانبي قائلا: "وهي دي محتاجة أسئلة! ده اللي دخّلَكْ هندسة ظلَمَكْ" فأَسرَرْتُها في نَفسي وتشاءُ الأقدارُ أن أحصلَ في تلك المادةِ على تقدير جيد جدا ويرسب هو فيها وفي السنة كُلّها وبعد عامين من الرُّسوبِ تمّ فصلُهُ من الكليّة.
وأمَّا الموقف الآخر كان لطالبٍ يحضُرُ في الصف الأولِ دائماً في كُل المواد وكان الأغلب يَظُن أنه الأشطر من بين كل الطلبة وكان مقصدا لكل من استعصى عليه أمرٌ فأخذَتْهُ العِزّةُ بالإثمِ حتى إنّهُ جاءهُ طالبٌ يَسألُه في مسألة من مسائلِ الرياضياتِ فرمى بـكراسةِ المحاضراتِ في وجههِ صائحاً فيه: "دي مسألة لو ذهبتَ بها لطالبٍ في الإعداديةِ لأجاب عليها وإذْ بهذا الطالبِ نفسُهُ في نهايةِ العام يرسُبُ في ثمانِ موادٍ منهم مادةُ الرياضيات نفسَها!
كنتُ أثناءَ خِدمتي بالجيش في نوبتجيات مستمرةٍ نظرا للأحداثِ التي كانتْ تمُرُّ بها مصرُ - وقتَها - و كان بعضُ الزملاءِ تفُوتُهم صلاةُ الجمعةِ من شدة التّعَبِ فـهمستُ لواحدٍ مِمّنْ معنا قائلاً لهُ: "هو فلان، وفلان دول إزاي بيقبلوا نفسُهُم وهم لا يصلون الجمعة " ففاتتني صلاةُ الجمعةِ في الأسبوعِ ذاتِه " فأيقنتُ أن "من عيَّرَ أخاهُ بذنبٍ لم يمُتْ حتّى يفعلَه".. نتَعلَّم مِن الحياةِ مادامَ فينا عِرْقٌ ينبِضُ والسَّعيدُ من وعِظَ بغيرهِ.. و لِلحديثِ بقيَّةٌ..

 

تعليق عبر الفيس بوك