حمد بن سالم العلوي
لا يُمكن لدولة من الدول أن تنعم بالسلام، وأن تكون قادرة على التطور والتقدم والرقي بكيانها، وذلك في مُحيط تحكمه الصبية والغوغائية والأطماع والشهوات والأحلام الخيالية، إلا إذا كانت مستعدة للحرب، وتملك قوة عسكرية مناسبة، ووسائل تؤهلها لتحقيق النصر وتأديب المُعتدي، وعُمان التي استطاعت أن تقوم بذلك في الماضي القريب، وهي تحتفل اليوم بذكرى النصر، تعلم جيداً أنَّ الإنجازات التي تحققت بعد النَّصر، لن تفرط فيها بغفلة من الرفاهية وطيب العيش، وهي تعلم أن هناك من يتربص بها الدوائر، ليس لأنها أعتدت على أحد بظلم، وتخشى منه الانتقام، ولكنها تعرف بالخبرة والتجربة، أن هناك بشراً لا يُطيقون أن يروا الخير يجري على الأرض العُمانية، ولا في أي مكان آخر من بلاد العرب، إلا وتصدوا له غيلة وغدراً، وليس لأنهم سيكسبون شيئاً لأنفسهم، ولكن إكراماً لولاة أمرهم من الأعداء في تشتيت الأمة وإضعافها.
إنَّ السلطنة أصبحت مركز السلام العالمي بقيادة جلالة السلطان قابوس المُعظم - حفظه الله وأبقاه - وهذا بحد ذاته عند الأشرار أمر لا يُطاق، فكيف لمن أشقاه ربه أن يعيش في تخبط ونكبات بالعشرات، وإنه يملك المال ولا يملك البصيرة والحكمة، ولا يملك الشهرة والمحبة، إلا بقدر ما يدفع وبصورة مُؤقتة، وبقدر ما تكون عليه البهطة أو الدفعة أو المنفعة المادية، وهناك آخر يملك الابتسامة وحب الآخر، وإذا أنفق فإنِّه ينفق سراً ومن غير دعاية وبهرجة إعلامية براقة، ومع ذلك تجد قِبلة النَّاس في الجد تأتي إليه، وإذا تعامل مع الناس يتعامل مع الجميع بوجه صبوح ودود واحد، فلا يُعلن بغض أحد ليرضي آخر، لأنه إذا فعل عكس سلوكه السوي يعلم أن ذلك من صفات المنافقين.
إن عُمان التي كانت تُفضِّل ألا تتغنَّى بالماضي، وإن كان شرفاً موروثاً وحق لها أن تبرزه، إلا أنها لديها الحاضر الذي يشغلها بالإعداد للمُستقبل، ولأنها وجدت هناك من لا تسعفه ذاكرته حتى ليعرف القليل عن نفسه وتاريخه، وفضَّل أن يَمدُّ بصره إلى ما لدى عُمان من موروث ليس لدول عظمى مثله، فحدثته نفسه الأمارة بالسوء، أن يشتري بالمال شيئاً من موروث غيره بالتزوير والتحريف، عله يجد شيئاً يتكئ عليه بجوار وفرة المال، ولم يعلم أنه بهذه الطريقة الاستفزازية، سيُعري نفسه حتماً إذا ما أظهرت عُمان مكوناتها العظيمة، وقد يصل الأمر به، أن يجد نفسه هو ذاته قد شق عصا الطاعة، فعندئذ يتوجب درؤه عن غيه.
إنَّ قائد عُمان العظيم، الذي انتشل بلاده من غياهب القرون الوسطى إلى حاضر القرن الحادي والعشرين، بقوة وعزم لا يلين، لأيسر عليه الحفاظ على ما بنى من دولة عصرية، وحمايتها من عبث الهواة العابثين، فبنفس الأسلوب الحضاري للكيانات العميقة، يُبرز قوة عُمان ومكانتها، فأمر بإجراء المناورات العسكرية الوطنية وأمر - أعزَّه الله - بأن يطور ذلك التمرين التعبوي الوطني الذي انطلق تحت مسمى "الشموخ ٢" ليتبعه التمرين المُشترك مع القوات الملكية البريطانية، وذلك بمسمى "السيف السريع ٣" ثم يتبع ذلك الأمر بأوامر أخرى بعضها سابق ومنها آتٍ لاحقاً، حيث فتحت المتاحف والمعارض وكان أهمها معرض الخرائط التي تُظهر حقيقة عُمان، وألا حقيقة لأية مزاعم أخرى لغيرها من الدول الطارئة، فالإنسان المتحضر يعرف كيف يستنطق التاريخ ليرى الحقائق بارزة للعيان، وكيف تُعرّى الأكاذيب وإفك الأفاكين من جيل الأفاعي والثعابين.
المنطقة تمر بمرحلة التوتر وغياب الوعي، فهناك من ظل يسرح ويمرح مع الأعداء، لعله يستقوي بهم على أهله وجيرانه، مصورين له أنّه بقدرتهم سيحولون تاريخه إلى أعجوبة، وهم صادقون في ذلك أعجوبة وأضحوكة وحسب، ولأنه لا يفهم شيئاً ولن يفهم إلا إنه غير مخلص لوطنه وأهله، وسيتضح بعد مضي العمر، أنه بدد أموالاً ليست له على من لا يستحقها، وأن الشعوب المقهورة إذا ثارت على الطغيان، ستجرفه وتلغيه من الوجود، وقد لا تجد الفرصة لمحاسبته على ظلمه وغطرسته، ونظراً إلى كبت القيادات، فستجد الشعوب نفسها بلا قيادة، وهذا هو الأخطر على الأمة، حيث ستعم الفوضى وسيحتاج إلى وقت طويل من الزمن حتى تبرز قيادات تسيطر على الهرج والمرج، وخاصة مع غياب المؤسسات الدستورية.
لقد وجد الذباب الطنان ضالته في عُمان، لأنّها دولة تختلف عن الكثير من الدول المجاورة، فهي تنتهج نهجاً مستقيماً واضحاً، فلا تتآمر ولا تخون ولا تُخادع، حتى عندما استقبلت نتنياهو بعدما استقبلت رئيس السلطة الفلسطينية، وذلك لكسر الجمود في مسيرة السلام، هلل الصغار وكبروا، ونسوا أنهم كانوا يذهبون إليه للإضرار بالشعب الفلسطيني وقضيته، إلا أن استقبلت عُمان رئيس وزراء إسرائيل علناً وليس سراً كما يفعلون.
إن عُمان لن تطبع مع الإسرائيلي على حساب القضية الفلسطينية، وإن تلقفكم لما يقوله الإسرائيليون حتى يشجعونكم لإظهار كفركم بالقضية علناً، فمرة يظهرون مقطع فيديو، على أنه مرحب بهم في عُمان، ومرة يستغلون الفنون الشعبية التي تجرى عند قلعة نزوى للترحيب بالسياح، فتظهرونه أنتم والإسرائيليون على أنه أقيم خصيصاً لهم.
إننا لندعو الله بالنصر المؤزر لعُمان وسلطانها المُعظم، وقوات السلطان المسلحة، وشعبها الكريم الأصيل المعطاء، وأن يديم علينا الفرحة والنصر والرقي والتقدم والسلام، ولا حرب تضام.