البعوض في مرباط.. أبعاده وتقاطعاته

د. عبدالله باحجاج

لن نُبالغ إذا ما قلنا بأنَّ مُحافظة ظفار، كلها تُعاني من ظاهرة انتشار البعوض، وكل زياراتنا لولاية مرباط الساحلية الجميلة الواقعة على بحر العرب، تشعرنا بأنَّ مُعاناتها أكبر من غيرها، رغم ما يُقال إنِّه كلما اتجهت نحو الشرق كحدبين وسدح وحاسك.. تشترك مع مرباط في المُعاناة، وليس لدينا معلومات عن الوضع في شرق ظفار كرخيوت وضلكوت، بينما نجدها – أي ظاهرة البعوض – موجودة في صلالة، لكن بصورة أقل، وفي بعض الأماكن.

زرنا مرباط مؤخراً عدة مرات، فلم تسمح لنا حشرة البعوض بالاستمتاع بجماليات هذه الولاية طوال خمس دقائق فقط، ستشد رحالك عائدًا من حيث أتيت، إذا كنت زائراً، أما السياح الأجانب، فسيلزمون غرفهم بُعيد المغرب مُباشرة، وهو موعد انتشار البعوض، وقد لاحظنا على الأسر التي أصرت على قضاء إجازتي المولد النبوي – على صاحبه أفضل الصلاة والسلام – والعيد الوطني المجيد في مرباط، لسعات البعوض حتى على أطفالها، محدثة انتفاخا وإحمرارا على الوجه واليدين والقدمين، مصحوبة بحكة شديدة، وفي حالات قليلة حمى خاصة للأطفال. وظاهرة البعوض بدأت قبل عدة سنوات وليست حصرا على السنة الحالية، وتزداد في فصلي الخريف والشتاء، وتقف الجهات الحكومية المسؤولة عنها حائرة وعاجزة، لا تدري كيف تقضي عليها. وقد تابعنا تشخيصاتها عن أسباب هذه الظاهرة، وهي غير مقنعة، ولو كانت كذلك، فلماذا لا تعمل على القضاء على الأسباب خلال السنوات الماضية، وهي أسباب تحت السيطرة إذا كانت تشخيصاتها دقيقة، فقد حصرتها في عوامل بيئية وحفر قديمة وغير مطابقة للمواصفات – بالنسبة لمرباط – فماذا عن الولايات الأخرى، وهل هذه الظاهرة فوق قدرات وإمكانيات بلدية ظفار؟ فالاكتفاء بعمليات الرش التقليدية لن يحل المشكلة، بدليل استمرارها منذ عدة سنوات وحتى الآن، مما يحتم تكاتف كل مؤسسات وأجهزة الدولة في القضاء على البعوض، فالناس أصبحوا يخافون الآن على صحتهم، فكلنا نعرف ما ينقله البعوض من أمراض مختلفة مما يستوجب القضاء على حشرات البعوض فورًا وعاجلا، أما إذا ما أضفنا كذلك الجانب السياحي، فإنَّ المُبررات تستدعي القيام بصورة عاجلة، بحملة وطنية للقضاء على البعوض، فالبعوض ينتشر مثل هذه الأيام في ذروة الموسم السياحي الشتوي في ظفار، مما قد يمس البعوض بهذا الموسم مستقبلا. ففي موسم 2017، وتحديدا خلال الفترة من أكتوبر 2017م، وحتى نهاية أبريل 2018م، زار ظفار 44 ألف سائح برحلات مباشرة من أوروبا و25 ألفًا عبر السفن، وحققت الفنادق ذات فئة الخمسة والأربعة نجوم نسب إشغال كبيرة وهو ما يعكس نجاح السياحة الشتوية في المُحافظة، وهذا النجاح سيتعزز خلال الموسم الحالي بعد أن دخلت دول كبيرة مثل روسيا وإيطاليا- على وجه التحديد- في سوقنا السياحية الشتوية عبر تسيير كل واحدة منهما رحلة مباشرة إلى صلالة، وعلمنا من مصادر مطلعة أن وفودا من هاتين الدولتين قد زارت ظفار مؤخرًا، وحجزت مسبقاً وعلى مدار العام، أجنحة في فنادق وفي قرى سياحية وشقق فندقية، ومن المتوقع أن يصل عدد السياح الروس في أول موسم لهم بالمحافظة 5400 سائح روسي عبر شركة PEGAS والتي تُعد من ضمن أكبر الشركات السياحية المصدرة للسياح الروس إلى مختلف دول العالم مثل تركيا ومصر واليونان والهند وتايلاند وفيتنام وإسبانيا والصين وإندونيسيا وتمت إضافة صلالة ضمن خطة الشركة هذا العام. ولما سألنا مندوب الشركة الروسية أثناء زيارته لصلالة مؤخرا عن أسباب الإقبال السياحي الروسي الآن بالتحديد؟ أبدى إعجابه بالتنوع البيئي الغني بالسهول والجبال والنجاد والسواحل، وبالشمس الساطعة فضلاً عما تكتنزه البوادي والمناطق الساحلية من مقومات لتنظيم رحلات السفاري الصحراوية، وممارسة الرياضات المائية في الشواطئ الممتدة النظيفة، وكذلك الأمن والاستقرار الذي تتمتع به السلطنة دون غيرها في المنطقة.

لكن، هل سيتركهم البعوض يستمتعون بهذه المقومات الفريدة دون أن ينغص عليهم مستويات استمتاعهم؟ وهل البعوض سيجعلهم يكررون زيارتهم خاصة إذا ما علمنا أن مناطق انتشار البعض تقع في المناطق الساحلية التي يرتادها السياح للاستمتاع بالشواطئ والخلجان أو في مواقع إقامتهم في الفنادق؟ وعجز المؤسسات في القضاء على حشرات البعوض سنوياً، هل سيجعلنا نتفاءل بنهضة سياحية شتوية دائمة، وزيادة إسهام قطاع السياحة في التنمية الوطنية، وتنويع مصادر الدخل القومي تماشياً مع الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2040؟

هنا نجد ظاهرة البعوض تتداخل مع قضيتين أساسيتين هما، صحة الناس وبالذات سكان هذه المناطق– الله يكون في عونهم– وزائريها، وقضية السياحة الشتوية، وتقاطع قضية البعوض مع نمو السياحة الشتوية، فهل هذان البعدان سيحركان الفاعلين في مؤسساتنا الحكومية للإسراع في القضاء النهائي على كل أسباب انتشار ظاهرة حشرات البعوض في ظفار، ضمن خطة وطنية مُتكاملة من حيث التمويل والجهد المؤسساتي أم تنتظر أوامر سامية؟ فالكثير من الفاعلين قد عطلوا مبادرة الفعل المؤسساتي، وفرغوا المؤسسة، وجعلوا أدوارها روتينية يغلب عليها النمطية وتسيير الأعمال اليومية فقط، فلو كانت هناك مؤسسة متخصصة ومهنية تراقب الأداء العام، ويكون لتقاريرها بقاء أو إقالة المسؤولين، لما كانت هذه الروتينية والنمطية، ولما ظلت ظاهرة البعوض مثلا مستمرة لعدة سنوات، ولما تقاطعت الآن مع النمو السياحي الشتوي، وقد تتقاطع مع تداعياته الصحية– لا قدر الله– فمتى وكيف سنقضي على حشرات البعوض يا مؤسساتنا الرسمية؟