خلفان الطوقي
انتهتْ إجازتَا العيد الوطني المجيد والمولد النبوي الشريف، وكلٌّ منا قَضَى إجازته حسب ما رآه مناسبًا؛ إمَّا داخل عُمان أو خارجها، وكلٌّ منا له وجهة نظره ومُبرِّراته في كيف وأين يقضي إجازته، ولكن بعض المشاهد تتكرَّر عند كلِّ إجازة -وطنية أو دينية- ومن هذه المشاهد: شكاوى بعض المواطنين من قِلة الخدمات في الأماكن السياحية داخليًّا؛ والتي أبرزها: دورات المياه، ومقاهٍ ومطاعم لائقة للمُرتادين، وبعضهم يشتكي من طوابير السيارات المتَّجهة إلى الجارة الشقيقة الإمارات العربية المتحدة، وبعضهم يشتكي من الأضرار والأوساخ التي يتركها السيَّاح، وإهمال الجهات المعنية بتنظيف هذه الأماكن، أو الاشراف عليها، ومراقبة هذه الأماكن، والتأكد من استخدامها بطريقة تَضْمَن نظافتها، هذه المشاهد تتكرَّر وتزيد حِدتها عند كلِّ إجازة، وتبدأ المقاطع الصوتية والفيديوهات والملاحظات المكتوبة -الشاكية، والمستهزئة الاستفزازية- وبعضها مُقزِّز، وبعضها يُقارن بدول أخرى، والتي تنتشرُ في كل وسائل التواصل الاجتماعي داخل وخارج السلطنة.
هذه المشاهد المُؤلمة والمُحبِطة تتكرَّر منذ أكثر من 15 عاما، ولكن زادتْ حِدتها ورُقعتها بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وللأسف الشديد لا يرد أو يظهر أحد من الحكومة ليتحمل مسؤولياته أو جزءًا من مسؤوليته، فكل جهة تصمت وكأنَّ الموضوع لا يخصها؛ فالجهات الحكومية تقول إنَّ القطاع الخاص هو المسؤول عن توفير الخدمات المصاحبة، والقطاع الخاص يشتكي أنه لا تُوجد جدوى اقتصادية، خاصة وأنَّ هذه الأماكن تكون زيارتها موسمية، وكل وزارة تقول إنَّ هذه الجزئية تخص الوزارة الفلانية، وتقولها بالسر وليس العلن، وتبدأ كلُّ جهة تقاذف المسؤولية من جهة لأخرى، وكأنهم يقولون إنَّنا تعودنا على هذه الملاحظات والشكاوى، وسينسى المواطن أو السائح هذه الملاحظات بعد فترة من الزمن، ولسان حالهم يقول: لا بأس في تعويم هذا الموضوع، خاصة أنَّه يخص جهات كثيرة، ولا يُمكن لأحد أن يلُومنا على التقصير بسبب أنَّ مسؤوليتنا تخصُّ جزءًا من هذا الملف وليس كل الملف، وبسبب تشابُك وتقاطُع المسؤولية تَضِيع مسؤولية التقصير واللوم.
ولكي لا تتكرَّر المشاهد والمنغِّصات سنة بعد سنة وإجازة بعد إجازة، فإنَّني أقترح أن يتبنى مجلس الوزراء الموقر هذا الملف الحسَّاس، ويتدخل على وجه السرعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأن يستدعي مُمثلين من وزارة المالية ووزارة السياحة ووزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه ووزارة التراث والثقافة ووزارة التجارة والصناعة ووحدة دعم التنفيذ والمتابعة وغرفة تجارة وصناعة عمان وشركة عُمران وأساس، وبعض اللاعبين الكبار من القطاع الخاص في المجال السياحي؛ لرصد الثغرات والمنغِّصات المتكررة وبحث كيفية حلها، ومعرفة أوجه القصور ومن أي جهة وأسبابها، وإعادة هيكلة المسؤوليات والمهام لسد الثغرات، وتنفيذ ما يُمكن تنفيذه، ورصد المبالغ الضرورية للتنفيذ حسب جدول زمني مُحدَّد قابل للقياس والتقييم الدوري.
ما لم تَتَعامل الحكومة مع هذا الملف، ووضعه على قمة الأولويات وبجدية قصوى وتدخل سريع، والتعامل معه على أساس أنه ملف وطني يخصُّ كل مواطن في هذا الوطن الغالي وسمعته، وملف اقتصادي يضخ إيرادات إضافية للميزانية ويُنعش الاقتصاد والسياحة الداخلية، ويستقطب أفواجًا سياحية من خارج عُمان، خاصة وأنَّ الحكومة اعتمدت في خطتها الخمسية التاسعة وفي برامج "تنفيذ" التي عُقدت قبل سنتين، أن السياحة هي إحدى دعائم الاقتصاد في الاعتماد غير النفطي وخطة التنويع الاقتصادي، وأنه كذلك ملف اجتماعي يعزز الثقة بين المواطن والحكومة، فإننا لن نرى أي تقدُّم يُذكر، وستظل هذه المنغِّصات تتكرَّر عند كل إجازة، وسيختلط الفرح بالألم والمعاناة؛ فهل هناك قيادات وكفاءات وطنية غيورة ومخلصة تستطيع حل هذه المعظلة المتكرِّرة وإبعاد المنغصات المعيبة لسُمعة السلطنة؛ فمن المعيب أن نرى هذه الثغرات البدائية تحدُّ من انتعاش السياحة الداخلية بعد نهضة عصرية امتدت 48 عاما وهي مستمرة بإذن الله، ومن غير المنصف أن تنسف هذه المنغصات المتكررة عملًا وطنيًّا جبَّارا ومشروعات تنموية مستمرة؛ فالحل لابد أن يكون التدخل من القمَّة؛ لذلك ذكرت التدخل المباشر والسريع من مجلس الوزراء الموقر، فعُمان تستحق الأفضل في كلِّ أقوالنا وأفعالنا؛ فالشعارات لن تكون ذات مصداقية، إلا إذ تبعتها أفعالٌ وخدمات يشعُر بها المواطن والمقيم والزائر؛ فالحلول الاستباقية والمبادرات المبتكرة لابد أن تستمر إن أردنا المصداقية والمنافسة في المجال السياحي: محليًّا، وإقليميًّا، وعالميًّا.