وطن من حب

 

عائشة بنت أحمد بن سويدان البلوشية

بدأت خيوط شمس الصباح الأولى تطل على الوجود في هذا الجانب من الكرة الأرضية، لتستلمها قمة جبل شمس في بلادي الحبيبة كونها أعلى قمة في الجزيرة العربية، ولأنه يوم مختلف فقد صافحت تلك الخيوط الأحجار حجرا حجرا، ويفتح رأس الحد النافذة الكونية لتدخل الأشعة الجميلة، في هذا اليوم الشتوي المميز على أرض شبه جزيرة العرب، وعلى غير العادة كانت الأشعة مصطبغة بثلاثة ألوان جميلة، بياض السلام وحمرة المحبة وخضرة العطاء، وكعادتها جنية الحكايات التي تظهر لي فجأة مثلما تختفي فجأة، ظهرت لي -وأنا المولعة بموروثنا حتى النخاع- عندما كنت اتجول في حصن سلوت ضارب العمق في تأريخ العمارة، وسألتني ما حكايتكم اليوم؟ فرنوت إليها وأخذني الخيال عبر ثمان وأربعون عاما من عطاء مستمر لفارس همام سلطان ابن سلطان ابن سلاطين، ثم وبدهشة قلت لها: أوليس من العجب أن توجهي لي هذا السؤال؟ أنت تعلمين بعد مرافقتك لي كل هذه السنوات أن لنا سر خاص مغلف بولاء خاص في الثامن عشر من نوفمبر من كل عام، ردت باستعجال: أنا أعلم أنه يومكم الوطني، لكنني أستغرب هذا القدر الهائل من الحب الذي أراه يزداد يوما بعد يوم، وفي كل عام تكبر هذه الهالة، بل إنني أتعجب من الأطفال الذين يجهزون ملابسهم قبل عدة أيام، ويذهبون لرياضهم او مدارسهم والفرحة تسبق خطواتهم، أحس بنبض قلوبهم عندما أرافق أحدهم في محاولة مني لقياس كم العشق البريء الذي يعتمر أفئدتهم، فأعود عاجزة لأن مقياسي لا يرقى إلى قدر ذلك الحب الصادق البريء، قلت لها: إياك أيتها الجنية الطيبة أن تعيدي المحاولة، لأن الفشل سيكون حليفك في كل مرة، ردت علي: كوني أكيدة أنني لن أفعلها فأنتم العمانيون أعجزتم قوانين الفيزياء والكيمياء، وطاولتم معلقات الجاهلية، وقد حاولت قياس ذلك الكم من الحب في نفوس الأطفال وارواح الكبار، فاختل مؤشر ميزاني الجني، قلت ربما لو استعنت بمقياس إنسي، سأكون ناجحة، فتحدث إلي الميزان ناطقا بلهجة حازمة، إياك أن تقتربي من حب العماني لعمان أو قائده، فهذا لا يقاس حتى وإن حاولت استخدام السنوات الضوئية!!.

قلت لها أننا في كل يوم أيتها الجنية الطيبة صباحاتنا تمتلىء بوطن المجد والحضارة والعراقة والتأريخ، وسلطان حمل على عاتقه أمانة حب هذا الوطن والسهر على راحته، ورخاء من فيه وما فيه، فكيف لا نتفانى في حبه قائدا وشعبا وهو وطن فراهيدي العروض، وطن مازني الإيمان، وطن كعبي التواصل،  وطن سعيدي الأساطين، وطن ابن ماجد الإبحار، وطن يعربي الحصون و القلاع، وطن ذهبي الكيمياء والفيزياء، وطن ابن عميرة التشريح و الطب، وطن دريدي اللغة، وطن سالمي الفصاحة، وطن  أبو محمد المقريء القراءات. وطن بهلاني الشعر، وطن مهلبي الشجاعة، وطن مليء بثمار خير بشرية، صنعت مجد التأريخ العماني عبر العصور.  

صباحنا ولحظات أيامنا تزهو بوطن عماني الأواصر، وطن قابوسي الحكمة والعطاء، وطن سلطاني الفكر والارتقاء، وطن سلامي الغبيراء، وطن تسامحي النسيج، وطن تلاحمي الصف، وطن متوحد النبض.

صباحي اليوم وفي كل جهة، وأينما يممت وجهي، أرى شموسا تشرق بعمانية فريدة  فتتجاذبني همسات القصيد، وتشدني كلمات الأناشيد، و تفتنني جميلات الأغاني، ففي عرس فاتنة العصر، وجميلة المدر والشجر، عالية الخلق والمنبر، مثالية التعامل حين تشتد الخطوب، قبلة المشتكي والمغلوب، هذه هي عمان الساكنة في حنايا الخافق، المنتشرة في الجسد انتشار الدم من العروق، هذه هي وطن خلق من حب، لذا لا يمد يده إلا بالسلام و الحب، وطن نوفمبري الأعياد، وطن يزداد حبه لقابوس السلطان الأب والإنسان، فكيف لعماني أبي أن لا يعشق وطن ترابه وهواؤه وماؤه جبل على الحب والعطاء لأبنائه.


___________


توقيع:
"كلما وجهت قلبي لمكان لست أهله،، هز قلبي من حقول الشوق فاسقاط نخله..

وتجلت لي لي عمان في ضنى الغربة قبلة،، عطش يأكل عمري فاهطلي في العمر قبلة..

يا لإيقاع السواقي إن غوى قلبي دلة،، يعزف المجد اخضرار خالدا يشبه حقله..

كل حرف في عمان غصن حب مد ظله،، فافتحوا قلبي ففيه جبل يحضن سهله"
هشام الصقري