د. عبدالله باحجاج
هل يَكفي دليلًا البوحُ بأنَّ هيامي بك يا وطني منقوشٌ في قلبي، وإنَّني تحت سمائك الصافية أتنفسُ الاطمئنانَ من أمنك واستقرارك؟ ومِن تعايش تعدُّد مَذاهبك ووحدة نسيج مُجتمعك، والتمسُّك بأخلاقك وقيمك التي شهد بها -لنا نحن العمانيين- إمَامُ الخير وقائدُ الخير ورسول الرحمة وإمام المتقين وخاتم المرسلين مُحمَّد عليه أفضل الصلاة والتسليم، منها كلها، أؤمن بدَيمومة كلِّ منظومات البقاء "أرضا ونظاما وشعبا".
هل يكفِي دليلًا القول كذلك، أنَّ عِشقي لكَ يا وطني لن يقبل عنك بديلا، وسأظل أعيش على ثَراك الطاهر، بوعي الفعل العاقل المتبصِّر بردود فعله، الكابح لشطَحات قلمه، وسيلان مداده، وجنون أوضاعه.. أتدري لماذا يا وطني؟ لأنَّني أعشق استقرارك وأمنك الذي أراه مُجسَّدا على كل شبر من أرضك، وأعشق ترابك الذي أرى فيه رُوحانيات أمة خلصت لربها، وانقادت طواعية لرسولها -عليه أفضل الصلاة والسلام- فظهرت التجليات على ترابها و ديموغرافيتها.
هل يكفي أم أزيد استدلالًا في عشقي لهذا الوطن؟ رُبَّما على مِثلي أن يسترسل في المزيد؛ لأننا نعيش -والتضخيم هنا للتعبير عن الذات العُمانية وليس ذات المُتحدِّث- الاحتفال بعيدنا الوطني 48 المجيد. ومن هنا، لابد من الاسترسال في المشاعر قبل أن تُوقظنا لحظة الخلاف والاختلاف حول المستقبل، حتى نُلجمها -إن وجد الخلاف والاختلاف- ونجعلها -أي الخلاف والاختلاف- مقبولة في إطار هيامنا بهذا الوطن.
دون شك، الكل نجده بين محب وعاشق وهائم بهذا الوطن، وتلكم التصنيفات نُؤطرها من منظور الوعي لكل مواطن بمشاعره، ودرجات تفاعلاته -الفعل وردة الفعل- أما إذا ما احتكمنا لحالةِ اللاوعي، فإنَّ الكل يدخُل في حالة الهيام، وهى مرحلة أخيرة من المشاعر الإنسانية بعد الحب والعشق؛ فيرى فيما يُحبه كل جميل من الرأس إلى أخمص القدم.
لكن، عُذرا يا وطني على التساؤل التالي: هل هناك من لا يحبك؟ ولماذا؟ تساؤل مُركَّب، تستدعيه المشاعر الجيَّاشة تجاه يومنا الوطني المجيد، وتجعلنا نصوِّره في المشاهد التالية:
من لم يكن مُخلصا لوطنه، ووفيا لترابه وأمنه واستقراره، وأمينا على ثرواته، ومُضحيا من أجله، ومُغلِّبا مصلحته -أي الوطن- فوق مصالحه الفردية والجماعية، فإنَّ حبه أوعشقه أو هيامه محلُّ شك وهو أقل تقدير يُمكن نعته به، ومن يزعم بالحب أو بمستويات عُليا، نسأله عن علامات حبه أو عشقه أو هيامه بوطنه..؟ فأقل علاماته ممارسة عقلانية، منضبطة ومسؤولة للفعل وردة الفعل وفي إطار -أي مستوى- من مستويات الود لهذا الوطن.
عُذرا يا وطني، لن أكون مُحبًّا أو عشقًا أو هائمًا بك، إذا لم أسخِّر قلمي مُدافعا عن ثوابتك، وعن جوهر إنجازات مسيرتك، هيامي بك يجعلني أقول في أحيان كلمة "لا"، ويدفع بي إلى إعمال الفكر والتفكير في تقديم الحُجج المفندة والشارحة للرفض، ليس من العدم أو المجهول، وإنما من منظور ثوابتك، ومن أفكار قائدِ نهضتك -حفظه الله ورعاه- وهى أفكارٌ آمنتُ بها، ورأيتُ فيها منذ أن كنت يتيما أنها تستوعبُ كل فئات المجتمع دون استثناء، فمثلا الحديث عن "الحياة السعيدة" وكذلك "الدولة العصرية".
سأظلُّ وفيًّا لكَ يا وطني، ومُتضامنا مع كلِّ مُحب لك أو عاشقٍ أو هائمٍ، سنغرق في هيامك من الرأس الى القدم، لإيماننا بأجندة المؤسِّس -حفظه الله ورعاه- في الدولة العصرية القائمة على المؤسسات والقانون، الجامعة الشاملة، فيها تحسم الصراعات عن طريق القضاء العادل والمستقل، وفيها تتمُّ الشراكة في بناء الوطن، وإعلاء شأنه بين ثلاث قطاعات "القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع المدني"، شراكة فعلية تُفكر في آن واحد، وتبحث عن حلول للمُشكلات في جلسات عصف مشتركة، وتنفَّذ من قبل أيدٍ أمينة ونزيهة ومؤهلة.
دولة قطعنا فيها أشواطا كبيرة طوال 48 عاما، ونتطلع لاستكمالها الآن، وهذه أمانة كل مُحب أو عاشق أو هائم؛ لأنه الخيار الوحيد لدولة كسلطنة عُمان بثقلِها الديموغرافي وبكبر مساحتها، وكثرة خيراتها؛ وذلك حتى يتم تعزيز وترسيخ نهضة 48 عاما الماضية، واستكمال أجندتها التي باركها الشعب منذ انطلاقتها عام 1970.
حماك الله يا وطني.. حما أرضك وقيادتك ومجتمعك ووحدتك وأمنك واستقرارك وثرواتك القديمة والجديدة والمتجددة، حفظك الله يا وطني من جنون كل طماع أو مغرور، ومن شر كل جاحد ومتهاون ومتخاذل في الدفاع عنك، حماك الله يا وطني من كل مستغل وإن تعدَّدت صور الاستغلال وأشكاله.
وأخيرا.. ندعو الله -جلَّ في علاه- أن يحفظ مُؤسِّس دولتنا الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -أعزَّه الله- وأن يديم عليه الصحة والعافية، وكل عام وطني جديد، وتحية مُتجددة، وشعور بالفخر والاعتزاز، لكلِّ مُخلصٍ لهذا الوطن، ولكلِّ من أسهم مهما كان موقعه في بناء مسيرة هذا الوطن طوال العقود الماضية، وندعو الله أن يُواصل وطننا الحبيب مسيرته التنموية، قويا موحدا، وكل عام وأنت يا وطني الهيام أنت بخير.