المخلصون في حب الوطن

 

 

مسعود الحمداني

المُخلصون دُون غيرهم هم من يستَّحقون جلال هذا الوطن، وحدهم من واجهوا الفساد، وانتصروا عليه، وحدهم من توضأوا من ترابه، واغتسلوا في مياه وفائه، وحدهم من رفعوا أيديهم عن العبث بمكتسباته، وتعفَّفوا عن المساس بمنجزاته، وحدهم من دافعوا عنه بدمائهم، وعفّروا وجوههم بمسك أرضه، وعطَّروا ثراه بدمائهم الزكية، وحدهم من ترفَّعوا عن النيل منه حين تكالب عليه أصحاب المصالح، وأكلت من لحمه ضباع الفساد، ونالت منه خناجر الخونة، ونهشت عظامه "لوبيات" المصالح الخاصة والانتهازيين.

وحدهم المخلصون دون غيرهم من يستحقون عظمة هذا الوطن، أولئك الذين ذهبوا إلى الظل، أو من بَقِي منهم مُرَابطا في مكانه، مُدافعا عن حقوقه، ومشمّرا ساعد الجد ليرعاه، وحافرا في صلد الصخور لينحت فيها عملا يقربّه إلى مبتغاه، ويسعى في صحاريه ووهاده لكي يذُود عن حياضه، ويهبه دمه وماله، ويحمي تربته الطاهرة، ويسحَق كل من تسوِّل له نفسه الدنيئة النيل من كرامته، ولا هانتْ كرامته، ولا ذلَّ شموخه، ولا صَغُر شأنه، ولا ضَاع بنيانه.

وحدهم المخلصون لهذا الوطن من يستحقون جلاله، الباذلون عرق جبينهم ليعلو، والمشمّرون عن سواعد جِدّهم ليسمو، والواهبون أرواحهم لينجو، لا أولئك الذين ما وصلوا إلى مناصبهم إلا لينهبوا، ولا أولئك الذين بذلوا أوقاتهم ليأخذوا، ولا أولئك الذين صامُوا طويلا وأفطروا على لحم عطاياه.. فوحدُهم الأوفياء من أبنائه من يستحقون خيرات هذه الأرض، لا أولئك الذين غرسوا خناجرهم في خاصرته.

وحدهم المخلصون لهذا الوطن من يستحقون أن يلُوذوا بحِماه، الصامتون في زمن الصوت العالي، العاشقون للحرية، المسافرون في وريد الآمال المعقودة، والسامعون لمواويل السلام، الساعون إلى الكمال، الواهبون حناجرهم وأرواحهم للأرض الطهور، والسائرون خلف نجوم الضوء نحو الحلم، نحو وطن لا يضم غير الأوفياء والأنقياء.

وحدهم المخلصون من يستحقون أن يُحتفى بهم في مثل هذه المناسبات العظيمة، تلك السواعد الأبيّة، والقلوب الحيّة، والأرواح المخلصة في عشقها الذين بنوا هذا الوطن المقدّس حجرا حجرا، وحُلما حلما، حتى غدا كما هو بادٍ اليوم كزهرة السماء لا تُخطئها عين، ولا يُنكرها عاقل، فصار الوطن بفضل الله ثم بفضلهم زينة العلوّ، وطَود السموّ، ومجدا لا تمحوه الأيام، ولا تُزهقه الأوهام، شامخا عزيزا قادرا على الصمود في عاتيات الليالي، وعواصف الزمن المخيف.. أولئك الذين كُتب عليهم حب الوطن دون مقابل، الذين بذلوا وما بخلوا، وأعطوا وما منَّوا، وما زالت عطاياهم لا تنقطع، ولا تندثر.

هؤلاء المُخلصون وحدهم من يستحقون أن يعيشوا في هذا الوطن العظيم، الذي بناه الرجال الأوفياء في ثمانية وأربعين عاما، سبقتها آلاف السنين من الحضارة والمدنية التي أكمل الأحفاد سيرتها، ورَوت الحكايات عبق رحيقها، والتي قاد قافلتها الميمونة قائد أخلص لوطنه، وشعبه، حتى وصلت القافلة إلى مبتغاها مواصلة طريقها إلى ما شاء الله.

فشكرًا لكلِّ مُخلص على هذا التراب الخالد المقدّس، وشكرًا لكل من بذل وضحى وأعطى وبنى، وعمل في صَمت ليعلو صَوت عُمان، ولم يطلب مقابلا كما يفعل غيره؛ فهؤلاء الرجال هم وحدهم من يستحقون أن يعيشوا في هذا الوطن العظيم.

فكل عَامٍ وعُمان وقائدها والمخلصون من شعبها نجومًا تتلألأ في سماء الدنيا، ولا تأفُل حتى قيام الساعة.