قيثارة الطرب الوطني

 

سلطان بن خميس الخروصي

 

كان الفن الغنائي رديف الحضارة والمجد ولا يزال، فحينما نستحضر التاريخ والحضارة بأناملنا سنجد ذلك الارتباط الوثيق بين التطور البشري والغناء الهادف الذي يبث فيه الناس همومهم وآمالهم وآلامهم؛ لذلك نجد الكثير من ثروات الشعوب الغنائية مازالت حية وتتوارثها الأجيال رغم مرور مئات السنين، بل أصبحت بعض الدول تقوم بأرشفة تلك الثروة والدفع بالمؤسسات الثقافية والفنية للاهتمام بها كمورد حضاري وثقافي واقتصادي كبير.

فالفن بطبيعته يُرهف حساسية الإنسان ويُعلي من صفائه الروحي وارتباطه بالإبداع والعبقرية ارتباطا وثيقا لا انفصام فيه، وهو في علاقة خدمية بينه وبين المجتمع؛ ففيه تُشعل أحاسيس المرء نحو الإيجابية والبناء والإنتاج وهو ذو علاقة أفقية بينه وبين العلوم الأخرى؛ فالحضارة الإسلامية ليست استثناء في ذلك فهناك الكثير من علماء العرب والمسلمين مَن أبدع في تصنيف المؤلفات ليس فقط في الجوانب الشرعية وإنّما تعدّاها إلى الفن الموسيقي والغنائي كما فعل الفارابي وابن سينا وأبو يوسف يعقوب الكندي وغيرهم. وبما أنّ الفن يصقل الذوق ويبلور الفكر ويرهف الحس ويغرس حُب الوطن ويُشعل الوفاء فإن الأغاني الوطنية تمتلك قوّة عاطفية جبّارة تستطيع أن تحرك كل القلوب وتجعلها تدور في فلك الوطن، يقول أحد الكتاب العرب بأنه كان في ألمانيا في الستينات فلاحظ أن بيوت زملائه الألمان يتصدر البيانو قاعة الضيوف وحين سأل أُجيب فيما معناه (إننا نبتغي أن ينشأ أطفالنا مواطنون صالحون على الأناشيد والأغاني الوطينة)، نحن في عمان نمتلك مخزونا هائلا ورصيدا عظيما من الفن الغنائي الوطني، لقد تغنّى أولئك المبدعون بالنهضة المباركة وبباعثها جلالة السلطان قابوس - حفظه الله - وبالوطن، فمن لا يتذكر قيثارة الوطن الموسيقار الراحل عبدالله الصفرواي حين غنّى أغانيه الوطنية الخالدة  أنشودة الوطن، وهاتف البشرى، وموطن الأحرار، وإنّي مررت على الرياض الحالية، وأنشودة العلم التي قال فيها:

عهد المحبة والإخاء// عهد التغنّي والنشيد

يا أُنسنا يا أُنسنا// بالعاهل الشهم الرشيد

كم هي رائعة الحنجرة الصفّرواية الشامخة ونحن نمشي في الطابور إلى الفصول وهي تبث الحماس وعشق الوطن وقائده، ومن لا يتذكر الفنان الجميل صاحب الصوت الهادئ والشجي أحمد الحارثي وأغانيه الوطنية  فخر الرجال، وسلطاننا قابوس، وجاءك المجد، ووحي الإلهام وغيرها، ومن لا يتذكر الفنان الأنيق محمد المخيني صاحب أنت المحبة يا عمان، ونحبك ورب الكون يا سيدي، وحنجرة خميس خميس عبدالله في عمان حبيبتي، ولا ننسى أيضا سير على خير، وسيدي قابوس للفنان سالم محاد، والأغاني الوطنية الجميلة للراحل الكبير سالم علي سعيد كأغنية  سناء الأقمار وموطن الأحرار، وقابوس الشهامة وغيرها الكثير من أغانيه الوطنية الجميلة، وأيضا الفنان إبراهيم خلفان ورائعته هلّت ليالي السعد.

 كل هؤلاء الفنانين وغيرهم الكثير لا يقلون أهمية عن المهندس والطبيب والمعلم وغيرهم، أذاقونا طعم الوطن الحلو وجعلونا نفخر بقائده الهُمام وبتاريخنا المجيد، تميّزت أغانيهم بالبساطة والإبداع والالتزام بالكلمات العربية الفصيحة، لنا أن نترحم على من رحل ولنا أن نسأل عمّن بقي منهم أين هم الآن؟ وبعد أن قدّموا إبداعاتهم عبر السنوات الماضية لأجل الوطن هل وجدوا العناية والاهتمام بعد أن تقدّم بهم العمر! وماذا قدّمت الجهات المختصة لأجل الحفاظ على تراثهم الغنائي للأجيال الحالية والقادمة؟ لماذا لا نجد متاحف غنائية متخصصة تروي مسيرتهم؟ وهل شُرّعت أبواب البحث الأكاديمي في سبر أغوار حياة هؤلاء المبدعين ونحن نعيش احتفالات العيد الوطني الثامن والأربعين ومازال المقطع الذي غنّاه الفنان الجميل أحمد الحارثي له الوقع الكبير في نفوس من شنّفوا آذانهم لصوته الشجي النديّ وهو يشدو بحنجرته الذهبية: قابوس نهديكم أغلى التهاني... يا قائدنا على مدى الزمان.

كل عام ومولانا جلالة السُلطان يرفل بصحة وعافية.