خلفان الطوقي
تقدمت السلطنة 14 مركزا في تقرير التنافسية العالمي الذي يصدر من المنتدى الاقتصادي العالمي، فقد كانت عمان تحتل المركز 61 في عام ٢٠١٧م، وأصبحت في هذا العام في المركز ٤٧ من بين ١٤٠ دولة مشاركة في هذا التقييم، ويعتبر هذا الإنجاز الأعلى عالمياً في هذا المنتدى لعام ٢٠١٨م، بأن تتقدم دولة ما ١٤ مركزا.
وأرى أن الإنجاز الأكبر هو إقرار إنشاء ذراع ميداني في يناير عام ٢٠١٧م، وهو تأسيس المكتب الوطني لتعزيز التنافسية الذي يُساند اللجنة الوزارية المعنية بهذا الملف العالمي الذي يضم ١٢ ركيزة أساسية من تعليم وصحة وتدريب وبنية تحتية وكفاءة السوق والموارد البشرية وأنظمة قضائية واستعدادات تكنولوجية وغيرها، بالإضافة إلى المحتوى الشامل والتفصيلي الذي يضم في طياته ١٩٠ مؤشرًا، والذي أحرزت السلطنة من خلاله بعض المراكز المتقدمة عربيًا وخليجياً والتي نشرت في وسائل الإعلام المختلفة التقليدية والحديثة.
عودة إلى عنوان المقالة أو السؤال المطروح وهو: كيف يمكننا أن نجعل من عُمان منافسا عالميا؟ أو بصيغة مختلفة: كيف يمكن أن تتقدم السلطنة في ترتيب هذا المنتدى العالمي الهام؟ فقبل الإجابة على هذا السؤال، لابد لنا أن نوضح أهمية الترتيب المتقدم في هذا المنتدى، وذلك لأنَّه أحد أهم المؤشرات المعتمدة والموثوقة بها التي يستعين بها المستثمرون أفرادا كانوا أو مؤسسات أو صناديق استثمارية أو أصحاب القرار أو الإعلام على مستوى العالم، ومن هنا يُمكننا الإجابة على السؤال الموضح أعلاه في المقالة، حيث لا يتأتى ذلك إلا من خلال عدد من الخطوات التي سوف أذكرها في الفقرة التالية.
الخطوات التي يمكنها أن تجعل من عُماننا منافسا عالميا شرسا ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض، خاصة وأننا نتحدث عن 190 مؤشرا يضم كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والتكنولوجية، فمن المعروف أن تغيير الإجراءات لا يأتي بجرة قلم من شخصية قيادية واحدة، وإنما تشترك فيه 17 جهة حكومية، وبعض هذه الإجراءات تتشابك مع أكثر من جهة في وقت واحد، فبالرغم من التحديات هو المحافظة على مركز جيد أو التقدم إلى مركز أعلى، فلابد للمكتب الوطني للتنافسية أن يقوم بخطوات إضافية بالإضافة إلى ما هو قائم به، وأهم هذه الخطوات أن تكون على المستوى الداخلي (داخل السلطنة) وخارجيًا (خارج السلطنة) وخاصة للمنتدى العالمي للتنافسية.
ومن أهم الخطوات الداخلية الإضافية التطوير المستمر في الإجراءات والأنظمة المتبعة من كل الجهات الحكومية السبعة عشر، والقيام بتوعية مستمرة لجميع موظفي الجهات الحكومية بأهمية هذا المنتدى، حيث لا يكفي أن يفهم ويعي القياديون من مديري عموم ومديرين فقط هذا الملف الذي يُؤثر على سمعة والصورة الذهنية للبلد، فالتوعية لا تكفي، لكن لابد أن تتبعها خطوات عملية أخرى، كإدماج واستغلال طاقات باقي الموظفين بعصف ذهني داخل المؤسسة الحكومية يقام بشكل دوري يُشارك به جميع الموظفين المختصين خاصة من يعملون في الميدان، والاستماع إلى وجهات نظرهم وطرح السؤال الجوهري كيف نطور الخدمة التي نقوم بها حاليا عليهم؟ وكيف لنا أن نختصر الوقت الذي نقضيه في إنجازها؟ وما هي الجهات التي تتشارك معنا في هذه الخدمة لنتكامل معهم ونختصر الوقت معاً؟
أيضًا من الخطوات التي يُمكن للمكتب الوطني للتنافسية اقتراحها لكافة الجهات أن يكون لكل موظف في كل مؤسسة حكومية دليل استرشادي (guidelines manual) لكل خدمة مقدمة للمؤسسات أو الأفراد لكي نبتعد عن الشخصنة أو المزاجية أو الاجتهاد، وتكون هذه الأدلة متوفرة في المواقع الإلكترونية لكل جهة حكومية، وبذلك سوف نقترب إلى الاحترافية المنشودة وجودة معايير التقييم المؤسسي وتقدم نوعي في مستوى الشفافية الذي سيحقق لنا تقدماً مضاعفاً ونقلة نوعية في عشرات المؤشرات الـ190.
وأخيراً علينا ألا ننسى اللقاءات الدورية والجلسات الحوارية مع المستفيدين من الخدمات، وبما أن تركيز هذا التقرير على الاقتصاد وارتباطه بباقي القطاعات الإنتاجية والخدمية، فيمكن أن يتبنى المكتب الوطني للتنافسية إقامة لقاءات مع الجمعيات المدنية المتخصصة كالجمعية الاقتصادية والجمعية العقارية وجمعية الصناعيين والهندسية وغيرها وأكاديميين ورجال أعمال ورؤساء تنفيذيين محنكين من الشركات الكبرى، فوجهات نظرهم ستكون مثرية بحكم اطلاعهم على تجارب عالمية ناجحة ومميزة ومعايشة الكثير منهم للواقع العملي.
أما الخطوات الميدانية على المستوى الخارجي، فيُمكن تلخيصها في إعداد وتأهيل فريق متخصص يستطيع أن يتعامل بحرفية ومهنية وبعقلية المنتدى الاقتصادي العالمي، وتكثيف التواصل مع العاملين في المنتدى دحضاً لأي مُغالطات قد تصل إليهم، وتوفير أي معلومات وبراهين تعكس شفافية مؤسساتنا الحكومية، والخطوة الأهم أن يتمكن هذا الفريق من رصد الممارسات التي تتبعها الدول العشرة المتقدمة في ترتيب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، وتحليلها بشكل تفصيلي، ومناقشتها مع الجهات الحكومية التنفيذية الـ17، ومعرفة الموانع والتحديات سواء كانت بشرية أو مالية أو قانونية أو تكنولوجية التي تمنعنا من تغيير الوضع القائم والإجراءات المتبعة من خلال تقارير مكتوبة؟ والاستماع إلى توصيات ومقترحات ومتطلبات هذه الجهات لتطوير الوضع القائم إلى وضع يتشابه مع الدول التي تعتلي قائمة الترتيب العالمي في مجال التنافسية دون التأثير سلبا عن الخصوصية المحلية. وأخيرا لكي نضمن التقدم السنوي في الترتيب العالمي لابد أن نتفق أن المسؤولية هي جماعية ومشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص والمدني والأفراد وليس الجهات الـ17 فقط، وعلينا أن ندرك أن تقدمنا لعدد 14 مركزا يحملنا مسؤولية مضاعفة للقيام بكل ما يضمن احتفاظنا بهذا المركز أو التقدم عدة مراكز في السنوات القادمة وجعل عُماننا منافسا عالميا شرسا، فكما يقال دائما الوصول إلى القمة سهل، ولكن الاحتفاظ بالقمة أمر في غاية الصعوبة.