٤ رسائل عمانية في زيارة عباس ونتنياهو

 

خلفان الطوقي

لا يمكن لأي متابع للشأن السياسي العماني أن ينكر دور السلطنة المحوري في حل الكثير من المشاكل والعقد التي تحيط بالشرق أوسطي، فعمان ساهمت بالكثير من الحلول الدبلوماسية من خلال مساعيها الحثيثة ودبلوماسياتها المتزنة ومصداقيتها المعروفة وحيادها الصادق وعلاقاتها العميقة الواسعة وقيادتها الناضجة، كل هذا جعل من سلطنة عمان من خلال سلطانها المفدى جلالة السلطان قابوس بن سعيد - حفظه الله وامد في عمره ورزقه الصحة والعافية - تحمل كافة عناصر النجاح لأي مساع سياسية ودبلوماسية يراد لها الحل من الأطراف المتشابكة والمختلفة في قضايا معينة، وللمتمعن للوضع سيتضح له أن هذه المزايا نادرا ما تجتمع إلا في دول قليلة على مستوى العالم، لتصبح عمان في أعلى هذه القائمة وبشهادة قادة العالم، وما اتفاق النووي ٥ + ١ إلا مثالا واحدا لأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى، وللتوضيح فبالرغم من الوساطات التي تقوم بها السلطنة، فهي تأتي كطلبات من هذه الدول ايمانا من هذه الدول بأن عمان بوابة السلام والتعاون وبها حكيم العرب في زمن يغلب عليه الفوضى والعبثية والمراهقات السياسية.

قبل عدة أيام زار السلطنة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وبعده بعدة أيام رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، هذه الزيارات لا يمكن لها أن تكون عابرة، لذلك يجب أن نطرح عدة أسئلة أهمها: لماذا جاءت متعاقبة؟، ولماذا اختار قادة البلدين، لقاء مولانا  السلطان قابوس في أرض السلطنة دون غيرها؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات ؟ وما هي الرسائل العمانية التي يمكن أن نقرأها من المبادرة العمانية لهذه اللقاءات؟.

الإجابة على هذه الأسئلة ستجده في طيات هذا المقال، والإجابات ستكون متوفرة بين الأسطر، ومن أهم هذه الرسائل ما يلي:

الرسالة العمانية الأولى هي للعمانيين، وهي أن عمان حاضرة في القضايا العالمية سوء كانت سياسية أو اقتصادية أو أمنية عندما تكون "مدعوة" من هذه الإطراف لتقديم الدعم وتوفير الأرضية اللازمة لحل الخلافات بين المتخاصمين بما يتوافق مع الاطروحات  الأممية، ومن خلال طاولة الحوار والدبلوماسية الراقية التي تسعى للوصول إلى حلول توافقية مرضية لجميع الأطراف بعيدا عن الضجة الإعلامية وبعيدا عن فرض وجهة النظر العمانية لجهة دون أخرى، والاكتفاء بعرضها عليهم إن طلب منها ذلك، دون تحيز أو تسويق اجندات خاصة، فعمان كانت ومستمرة ولديها ثوابت أزلية لدعم قيم الأمن والأمان للجنس البشري والتعايش السلمي بين الأفراد والأمم وأن الحلول التي تتسم بالحكمة والحوار والدبلوماسية أجدى بملايين المرات من الحلول العسكرية التي لا تؤتي إلا بحروب ودمار ومرض وفقر وآثار نفسية تورث من خلالها البغضاء والكرهية وتنمية روح الإنتقام جيلا بعد جيل.

 

الرسالة العمانية الثانية هي موجهة للعرب ومضمونها أن التدخل العماني في القضية الفلسطينية أتى برغبة من الفلسطينيين أنفسهم لأنه رأوا أن عمان تمثل الحكمة والثقل الشخصي السياسي لجلالة السلطان قابوس بن سعيد ومصداقيته واجتهاده في دفع عملية السلام للأمام وخاصة في هذا التوقيت، الذي يلتهي فيه العرب بقضايا سياسية محيطة قد تؤثر على أهم القضايا العربية وهي قضية فلسطين الأزلية وعاصمتها القدس، حيث أن القيادة الفلسطينية تعلم بأن التدخل العماني حقيقي وصادق، وفي وضح النهار ولا تحمل مصالح خاصة،  ووساطة عمان تنعكس في الأفعال وليس الأقوال بعيدا عن الضجة الإعلامية، فعمان ليست بعيدة عن المشهد السياسي الايجابي المبني على احترام حقوق الإنسان والأمم التي تسعى للتطوير والتعمير والتقدم المستمر، لكنها في ذات الوقت بعيدة عن الفتن والمؤامرات، وصب الزيت على النار.

الرسالة العمانية الثالثة موجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في حل القضية التاريخية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفإن دور الولايات المتحدة، محوري لما لها من تأثير كبير على القيادة الإسرائيلية وأعضاء الكنيست ومع كل الاحزاب، ويجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن لا تتنازل عن هذا الدور أو تتنصل من مسؤولياتها التي امتددت منذ أكثر من ستة عقود أو تتحيز إلى الجانب الإسرائيلي وتهمل حقوق الشعب الفلسطيني، والمسؤولية تقع أساسا على البيت الأبيض والرئيس دونالد ترامب على وجه الخصوص الذي حول بقراره الأخير نقل عاصمة إسرائيل من تل أبيب إلى القدس مما كان له احتجاجات واستياء واسع النطاق ليس على مستوى الدول العربية فحسب بل على المستوى العالمي، والأهم من ذلك الاثر السلبي على عملية السلام برمتها وركودها منذ ذلك الحين، وهنا تتضح الرسالة العمانية للإدارة الأمريكية الحالية في أهمية التدخل الحالي والسريع والفعال، إذا أرادت عملية سلام حقيقية وناجزة.

الرسالة العمانية الأخيرة هي للعالم ومفادها أن عمان كانت وما زالت وستظل بوابة الحكمة حاضنة للسلام وكل القيم الإنسانية، وأن لديها ثوابت في السياسة الخارجية، وهي وعدم التدخل في شؤون الغير وعدم السماح للغير في التدخل في الشأن العماني، كما أنها دائما وأبدا ترحب بالجميع من أجل التعاون الدولي في كافة المجالات التي تخدم الأمم والشعوب وتراعي مصالحهم، أما غير ذلك، فعمان ستظل بعيدة في كل ما يعكر الصفو ويفرق الصف ويُدخل الأمم ي صراعات لا تنتهي، وتكون الشعوب هي أكثر المتضررين، هذه هي عمان لمن أراد أن يعرفها.