"وَالصُّلْحُ خَيْرٌ"

وليد الحوسني

بعد الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. للعلم قارئي العزيز لست بصدد الحديث عن تفسير الآية، وما تعنية؛ فمن أراد ذلك فليقصد كتب التفسير سيجد مطلبه.

قاعدة قرآنية عظيمة جامعة مانعة صالحة لكل زمان ومكان في كل ما يصح فيه الصلح شرعا وقانونا.

يلجأ الكثير من الناس أزواجا كانوا أو تجارا أو مؤجرين أو مستثمرين أو دائنين أو غير ذلك ممن وقع بينهم خلاف فلم يجدوا له حلا، فتوجهوا للمحاكم طالبين الفصل في قضاياهم. والبعض يتجه أو يلجأ للتحكيم القانوني كمخرج، للوصول لحل للخلاف الحاصل، طبعا وفق تدابير وأصول وضوابط معينة.

بيت القصيد، وبعد التوطئة المتواضعة، نجد أن من أجمل الحلول وأفضلها وأنجعها على الإطلاق "الصلح". وهذا الحل العظيم الذي كتب له رب العزة والجلال الخيرية، والله لا يخلف الميعاد، وهو أصدق القائلين.

حسبي أن أذكر في هذا المقام، وأستشهد بكلام أحد العلماء لنزيد الطيب طيبا، ونستبشر خيرا، ونعطي الكتاب العزيز حقه من العناية والتطبيق العملي.. اللهم أجب. حيث يقول ابن عطية مؤكداً اضطراد هذه القاعدة: "وقوله تعالى: "والصلح خير" لفظٌ عام مطلق، يقتضي أن الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف خيرٌ على الإطلاق، ويندرج تحت هذا العموم أن صلح الزوجين على ما ذكرنا خير من الفرقة" (المحرر الوجيز، موافق للمطبوع (2/141)).

ويقول العلامة السعدي: "ويؤخذ من عموم هذا اللفظ والمعنى: أن الصلح بين من بينهما حقٌ أو منازعة في جميع الأشياء أنه خيرٌ من استقصاء كل منهما على كل حقه؛ لما فيها من الإصلاح وبقاء الإلفة والاتصاف بصفة السماح. وهو -أي الصلح- جائزٌ في جميع الأشياء إلا إذا أحل حراماً أو حرم حلالاً، فإنه لا يكون صلحاً، وإنما يكون جوراً. واعلم أن كل حكم من الأحكام لا يتم ولا يكمل إلا بوجود مقتضياته وانتفاء موانعه، فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح، فذكر تعالى المقتضي لذلك ونبه إلى أنه خير، والخيرُ كلُّ عاقلٍ يطلبه ويرغب فيه، فإن كان -مع ذلك- قد أمر الله به وحث عليه ازداد المؤمن طلبا له ورغبة فيه (هذا التوضيح مختصر من كلام العلامة السعدي، تفسير السعدي).

كلمات جميلة وغاية في الروعة ذكرها علماؤنا الأجلاء عليهم رحمة الله، ونفعنا الله بعلمهم.

حسبي في هذه المحطة أن نلفت عناية أنفسنا ومحبينا إلى أن الصلح صلاح في كل مجال من المجالات الحياتية التجارية والمدنية والشرعية والجزائية والعمالية... وغيرها.

ولكن نختم حديثنا بالتذكير ببعض الضوابط المهمة في حال ما أردنا التصالح:

1- عدم الإضرار أو التطرّف في الصلح: بمعنى نعم ممكن التنازل أو النزول ببعض الحقوق والعكس، ولكن ليس إلى حد الأضرار بأحد الطرفين تجاه الآخر؛ فلا ضرر ولا ضرار، ولا إفراط ولا تفريط.

2- يفضَّل أن يكون الصلح مكتوبا مُوقَّعا من أطرافه، فإن الكتابة أسلم وأحفظ للحقوق وأدعى للالتزام.

3- الإشهاد: فالأفضل والأجدى أن يحضر الإشهاد الصلح؛ ففي ذلك خير وحجية أكبر عند الحاجة إليهما لا قدر الله.

4- الاستشارة: الأفضل في حال العزم على الصلح -أيًّا كان نوعه- الاستشارة فيه؛ فأهل الاختصاص أعرف وأفهم؛ فاستشارتهم ناتجة عن خبرة ومعرفة.

5- الدراسة: فالأفضل دراسة الأمر، والتأكد من جدوى التصالح؛ وذلك قبل حسم الأمر تجنبا لبعض الإشكالات.

6- الإيمان بوعد الله والتسليم بوعده بالنية الصالحة وتطهير النفس من الشح، والحذر من الطمع الذي يضخم الأمور، ويُدخِل في بعض المتاهات التي تؤدي للمهالك إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة.

وختاما.. لم أعتد التطويل في المقال تجنبا للملل، ورغبة في تسهيل وتوصيل المعلومة، ولكن موضوعنا اليوم ذو شجون والحديث فيه طويل.

حسبنا أن نُوْصِل رسالة لنا ولكافة الناس أن "َالصُّلْحُ خَيْرٌ".

 

 

* محامٍ

تعليق عبر الفيس بوك