في "دراما خاشقجي": العالم يبحث عن روائي .. لا عن قاتل

...
...
...
...
...
...
...

 

الرؤية – هيثم الغيتاوي

في العصر العباسي؛ قال الشاعر سلم بن عمرو: "من راقب النَّاس؛ مات همًا"؛ وفي عصر وكالات الأنباء فإنَّ من راقب تباين وتضارب تصريحات زعماء الدول الكبرى بشأن قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي "مات دهشةً"!

نحن أمام "نقد درامي" لا صراع دبلوماسي فحسب؛ نقد درامي لمسلسل "مقلوب على غير العادة"؛ نهايته باتت معروفة للجميع بموت البطل؛ لكن سيناريو الحلقات ذاتها لا يزال غامضاً وأكثر تشويقاً وحبسًا للأنفاس من النهاية. مبارزة بالتصريحات الدولية حول الرواية السعودية والروايات البديلة؛ ربما تشجع أساتذة العلوم السياسية وأجهزة المُخابرات حول العالم لإضافة مهارات كتابة السيناريو والحبكات الروائية إلى مناهج طلابها ومتدربيها وضباطها!

لكن من قال إنَّ نهاية المسلسل باتت محسومة ولو بقتل الشخصية الرئيسية؟ كيف وردود الأفعال ذاتها لا تزال تشكل حلقات جديدة مُتصاعدة؟ ربما هناك أجزاء قادمة للمسلسل، وإن كان موت خاشقجي نهاية مبدئية؛ فربما تفاجئنا الحلقات الجديدة بنهايات أخرى.. لآخرين!

في المساء قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إنَّ اعتراف السعودية بحقيقة موت خاشقجي داخل قنصلية بلاده "خطوة أولى جيدة"؛ معتبراً أنَّ "الرواية" التي طرحتها الرياض بشأن "سيناريو" ما دار داخل القنصلية هي "رواية ذات مصداقية"؛ فهللت وسائل الإعلام السعودية وغيرها للتصريحات "الترامبية"؛ لكن في الصباح فاجأ ترامب الجميع كعادته بتصريح جديد ومُغاير تمامًا؛ قال فيه إنه "غير راض" عن الرواية السعودية التي تفسر كيفية مقتل خاشقجي؛ مؤكدا: "لن أكون راضياً حتى نجد إجابة"، ملوّحا بأن فرض عقوبات على السعودية لا يزال أمرا محتملا!

ليس ارتباكا في حسابات الإدارة الأمريكية فحسب؛ وإنما حلقة جديدة في مسلسل المناورات الدولية بين أصحاب المصالح الكبار؛ فإن كان ترامب لا يخجل من التصريح بأنَّه لن يُعاقب السعودية بوقف صفقات التسليح لأنه بذلك يُعاقب الأمريكيين أنفسهم؛ ويتنازل عن مليارات الدولارات لصالح الروس والصينيين؛ فإن دول أوروبا دخلت هي الأخرى على خط الحسابات المعقدة؛ في صراع دبلوماسي ظاهره خلاف حول مدى القناعة بالروايات السعودية؛ وباطنها استثمار "الورطة السعودية" اقتصادياً وسياسيًا لأقصى مدى.

أدانت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل مقتل خاشقجي "بأشد صورة ممكنة"، وقالت إن التفسيرات المقدمة لملابسات مقتل خاشقجي "غير كافية"، وتساءلت عما إذا كان يجب على الدول أن تبيع أسلحة للسعودية في حين حثت فرنسا والاتحاد الأوروبي على إجراء تحقيق مستفيض لاكتشاف ما حدث لخاشقجي بعد دخوله مبنى القنصلية السعودية. وقال وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لو دريان إن الكثير من الأسئلة "لم يتم الإجابة عليها"، وكان من بين المطالبين بالتحقيق في الأمر.

وطالبت فيديريكا موغريني، منسقة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوربي، بإجراء "تحقيق وافٍ وذي مصداقية وشفافية لملابسات قتل خاشقجي، ويضمن المحاسبة الكاملة لكل المسؤولين عنه". وأكد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة على "ضرورة إجراء تحقيق عاجل وشفاف" وعلى ضرورة "المحاسبة الكاملة للمسؤولين". وقالت كريستيا فريلاند وزيرة الخارجية الكندية إن تفسيرات الرياض تفتقر إلى الاتساق والمصداقية.

وبمجرد إعلان "الرواية السعودية" سارع عدد من أعضاء الكونغرس بالإعلان عن شكوكهم في منطقيتها، ومن بينهم الجمهوري ليندزي غراهام، المعروف بانتقاده للسعودية. وقال بوب كروكر عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، إنَّ رواية السعودية تتغير من يوم لآخر، وإنه لا يثق في تقريرها الأخير. وكتب الديمقراطي آدم شيف، عضو لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، على حسابه بموقع تويتر: إذا كان خاشقجي يتشاجر مع هؤلاء الذين أرسلوا لاعتقاله أو قتله فإنِّه كان يفعل خوفاً على حياته. وقال ترامب إنه "من المحتمل" أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يكن يعلم عن مقتل خاشقجي. وفي مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست قال ترامب "من الواضح أن الأمر تضمن خداعا.. وكانت هناك أكاذيب". وقد تراوحت تصريحات ترامب بشأن قضية خاشقجي في الأيام الماضية بين تهديد السعودية بعواقب "وخيمة جدا" وتحذير من فرض عقوبات اقتصادية إلى تصريحات أكثر ميلاً للمصالحة شدد فيها على دور السعودية كحليف للولايات المتحدة ضد إيران والإسلاميين المتشددين بالإضافة إلى كونها من المشترين الرئيسيين للسلاح الأمريكي. ووصف ترامب في وقت سابق الرواية السعودية بشأن ما حدث لخاشقجي بأنها معقولة، رغم أن السعودية لم تقدم دليلا لدعم روايتها ولم تذكر ما حدث لجثة الصحفي.

وحتى الآن لم تتهم تركيا بصورة علنية رسمية السعودية بمقتل خاشقجي. ولكن المُحققين الأتراك يتمسكون بأنَّ لديهم أدلة بالصوت والصورة تظهر مقتل خاشقجي على يد فريق من العملاء السعوديين داخل القنصلية في إسطنبول. وقال المتحدث الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، عمر تشاليق، إن "كشف ملابسات الحادثة دين في أعناقنا، وسنستخدم جميع الإمكانيات في هذا الصدد".

وقالت السلطات البريطانية إنها تنظر في "خطوتها التالية" بعدما اعترفت السعودية لأول مرة بأن خاشقجي، قتل داخل قنصليتها. وجاء في بيان وزارة الخارجية: "تعازينا لعائلة جمال خاشقجي بعد تأكيد وفاته، وننظر في خطوتنا التالية بعد التقرير السعودي". وقال جيريمي هنت، وزير الخارجية: "كان حادثًا مروعًا، ولابد من محاسبة المسؤول عنه."

وبحسب الرواية الأحدث؛ كشف مسؤول سعودي كبير عن رواية جديدة بشأن وفاة الصحفي قال فيها إنَّ فريقا من 15 سعودياً أرسلوا للقاء خاشقجي في الثاني من أكتوبر، هددوا بتخديره وخطفه قبل أن يقتلوه في شجار عندما قاوم. ثم ارتدى أحد أفراد الفريق ملابس خاشقجي ليبدو الأمر وكأنه غادر القنصلية.

 

تعليق عبر الفيس بوك